Sunday, August 4, 2019

و لو بعد حين ... بقلم الكاتب المبدع الأستاذ / أكثم جهاد

https://watanaddad.blogspot.com/2019/08/blog-post_21.html?m=1(قصة قصيرة_ق.ق_)
وَلَو بَعدَ حينٍ
أخرجت مِنديلها مِن حقيبَتِها، مسحَت دموعها، تَصَلّبَت أمامهُ لَعَلّها تستَعيد شيئاً مِن ثقَتِها في نَفسها...
قالت له: هل هذا آخر كلام عِندكَ؟
قال: نَعم، فَأنا ليسَ بمَقدوري الزّواجَ منكِ في الوقت الرّاهِن، فكَما تعلَمين، ما زِلت طالباً في الجّامعَة، وَأهلي ما زالوا يُنفِقونَ عليّ.
قالَت: وَطِفلنا ماذا أفعَل بِه حين قُدومِهِ؟ وَكَيفَ لي أن أواجهَ النّاسَ إن سَألوني عَنهُ وعَن والِدَهُ؟  وَأهلي ماذا سَأقول لَهُم إن سَألوني عَنهُ؟
قال مُتَأفّفاً: أنتِ السّبَبَ...ألَم أقل لَكِ أن تأخُذي مَوانعَ الحمل؟
كُلّ ما أستَطيعَ قَوله لكِ الآن...هيّا اذهبي وتخلّصي من حملِكِ هذا.
قالت له بصَوتٍ مُتَقَطّعٍ، لا يكاد يخرُج من فمِها الّذي جفّ ريقه: أيّها الحقير، أهذا جزاء حُبّي لَك، لَقَد وَثِقتُ بِك أكثرَ مِن ثِقَتي بِنَفسي، حَتّى أقنَعتَني بِالزّواج العُرفِيّ وَأنّهُ زواجٌ شرعِيّ، وَالآن تَقول لي بِأنّكَ لَن تعتَرِفَ بِابنِنا.
قاطَعَها بِصَوتٍ قَد زلزل كلّ أركان الذّاكِرَة الوَهمِيّة: إلَيكِ عَنّي وَاخرُجي مِن حياتي...وثيقة الزواج الّتي تتّخذينها ذريعة لك سوف أحرقها أمام عينيك.
خرجت مسرعة من شقّته الخاصّة، بكلّ ما أوتيت من ألم، حتى وصلت إلى ذاكرة المكان الّذي جمعهما، حينما التقاها أوّل مرّة، وهو يعرض عليها حبّه، بعد أن أبدى إعجابه الشديد بها، ليستميل قلبها في كلّ مرة يقابلها، حتى أصبح فارس أحلامها في نهاية المطاف...كلّ ذلك شاهدته عبر شريط وجداني مؤلم وحزين في محطاته الأخيرة، لينتهي ذلك الشريط بقفزة واحدة في أعماق بحر النسيان.
صبيحة اليوم التالي، هاتفه صديقه قائلاً: أين أنت يا رجل؟ لم نشاهدك منذ زمن طويل.
أجاب: نعم، كنت مشغولاً جدّاً معها، وقد حانت الفرصة للخلاص منها.
ضحك صديقه ضحكة هستيريّة ثمّ قال: ألم أقل لك بألّا تتزوّج منها، بل اجعل العلاقة بينكما دون مقابل.
أنا يا صديقي أكثر حذاقة منك، فأنا أقيم علاقاتي معهنّ دون مقابل وبلا مقدمّات ومن ثمّ اهديهنّ للأصدقاء الأعزّاء وأنت أحدهم...مجرّد حفلة رقص وسُكر واحدة، يغبن عن الوعي، ولا يعرفن مع من يُقمن العلاقة...على كلّ لقد عرفت أنّ علاقتك بها قد انتهت من هذا الخبر الذي قرأته هذا الصباح.
قال: خبر وأيّ خبر هذا الّذي قرأته.
قال صديقه: طالع صحيفة هذا اليوم وستجد الخبر الشّافي...انتحار فتاة عشرينيّة  مساء البارحة في ظروف غامضة.
قال: يا إلهي، لقد زال همّي إلى الأبد، كم كانت تعكّر صفو حياتي بحديثها عن الحمل والزواج.
ضحك صديقه ثمّ قال: لا عليك يا صديقي، تستطيع أن ترجع إلى ملاذك برفقة أصدقاء الشيطان، وأنت ما زلت زعيمنا الذي نكتسب منه مهارات الإيقاع بالحسنوات.
قال: نعم، فأنا بحاجة ماسّة لهذه العودة، الليلة سوف نلتقي في وكرنا برفقة الأصدقاء والحسناوات أيّها الشقيّ.
منتصف الّليل، الوكر يعجّ بالموسيقى الصّاخبة ودخان السّجائر، والجميع في حالة سُكر ومجون.
دخل عليهم، وقف برهة يسترجع فيها ماضيه معهم، وقعت عيونهم عليه، استقبلوه بحفاوة، فهو مقامرهم الأول وزيرهم الفريد من نوعه.
اصطحبه صديقه، ثمّ دعاه للجلوس وقدّم له المشروب قائلاً له: ما رأيك يا صديقي بتجربة عابرة مع فتاة تملك من الحُسن والجمال ليس لهما مثيل.
قال له: جميل جدّاً، حدّثني عنها؟
قال صديقه: إنها فتاة في مقتبل العمر، جميلة جدّاً، تعرّفت عليها منذ أكثر من ستة أشهر ولا أعرف عنها تفاصيل أخرى، كلّ ما كان يشغلني في بداية معرفتي بها هو أن تكون رفيقتي في الليالي الحمراء، وقد حصل ذلك في مدة زمنية قصيرة فأنا تلميذك يا أستاذ.
قال له: ألم تحاول أن تستدرجك للزواج منها؟
ضحك صديقه قائلاً له: نعم في البداية عرضت علي ذلك الأمر وجاريتها في ذلك حتى أقمت العلاقة الحميمية معها، ثم أظهرت لها امتعاضي بعد أن تأكدت أنّها أصبحت مدمنة سُكر ولم تعد باستطاعتها التخلي عن ملاذها في الليالي الحمراء.
بانت نواجذه، وسال لعاب شهوته، ولم يعد يصبر أكثر من ذلك.
قال له: هيا أرني إيّاها، أريدها الآن لليلتي الساخنة.
قال صديقه: اذهب إلى تلك الغرفة وافتح بابها وادخل عليها، ستجدها جاهزة تنتظرك ولن تمانع فهي ثملة الآن.
ضحكا كثيراً، ثمّ قام ليدخل عليها، مستودعاً صديقه...وما هي إلّا لحظات حتى دوت صرخة ارتجّ لها كلّ من كان في الصّالة.
هرع صديقه نحو الغرفة وفتح الباب وإذ به يجد صديقه في أحضانها مُدرّجاً بدمائه.
صرخ في وجهها قائلاً: كيف قتلتيه أّيّتها المجرمة؟
أخذت تبكي وتولول ثمّ قالت: نعم أنا التي قتلته، لكن بيده هو...لقد طعن نفسه بآلة حادة، لكن أنا السبب في ذلك.
صاح في وجهها ثانية وهو في حيرة من أمره: أنا لا أفهم شيئاً، أخبريني عن سرّ هذه المعضلة.
قالت له: لقد انتحر بسببي أنا...فأنا أخته.
خرج صديقه مذهولاً من الغرفة وهو يتمتم: يا إلهي، بين ليلة وضحاها، تحقّق انتقامها.
بقلمي/أكثم جهاد

No comments:

Post a Comment