.......الغابة ترتق بقايا حياة..........
سيزيف والصّخرة وأنا ألملم شتات فكر متناثر على قارعة التّأمّل . كما الغابة في ذهني تنتشر الأفكار أشجارا تتوق إلى إطلالة فصل سخيّ تنفحها دفقا من العزم لتلتحق بشواهق الأغصان.هنا السّنديانة تتضوّر ، تتكوّر ، تنكفئ على ذاتها ، تنفض بقايا رماد عالق بأعرافها، تتنفّس عميقا وإن كاد الدّخان المتراكم على شعورها يحول بينها ويبن استرجاع سلامة هاربة . لحظة فلحظة تستجمع القوّة المتهالكة ثمّ ترضع من حلم الغاب ما تخفّف به هول الصّدى . من فروعها المتهدّلة تطلّ زهيرات خجولة ، تستعدّ للصّرخة الأولى معلنة لحظة حضور منتظر . الزّهيرات كما صوتي يتردّد في الحنجرة يغريه الشّهيق، يتنفّس ، يسرح في أمنية الوصول.
سيزيف يجهد والغابة ترتق بقايا حياة أفلتت من المحرقة ، زان ، سنديان وبلّوط ، الكلّ يربكه الحصار ويشتهي إطلالة غيمة هادرة . هنا أشدّ خطاي في درب الرّحلة العصيّة والظّمأ يسدّ كلّ المنافذ. ظمأ يعتصر كبد الأرض ، يحاصر الحياة ويسرقها من الكائنات . يحاصرني فتشّقّق أوردتي كما الأرض يأكل الجدب رواءها. عمق الأخاديد وأنا أتلمّظ الرّيق ملحا ، عصارة شوق للغيّاب تأكل نسغ الكيان .عصارة تتدفّق دون هوادة والخطى لا تني وقد أدمنت الرّكض في الأرض الكالحة.
سيزيف ، الغابة وأنا وخلطة الخلق الأولى : قدر مقدور أن نصارع البرايا والأهوال ، أن ندوس الشّوك في أخاديد التّرحال . سيزيف رقعتك مثيرة وشمسك منيرة لكنّ السّعي يتأرجح بين الجهد والمآل.
الجهد وكلّ يمدّ فروعه ، يزرع الجينات في زوايا الأرض ، يبثّها في خفايا الزّمن ، ينمّقها بألوان أبديّة لا تضمحلّ . يرسم رحلة النّحن الجمع الواحد ، رحلة الكيان . سيزيف ، الغابة وأنا معركة تمتدّ جذورها في السّنين ، تردّد مغامرات الجوّالين والرّحّالة ، غوص في كبد الأرض ، في رحم الحياة . سندباد لا تحدّه الحدود ولا ترهبه ألأمثال والبحث عن مطلع هدف ، عن نقطة زمنيّة فارقة، عن نجم تاه في عمق المجرّة فبات طريد الشّمس والدّجى لكنّه يستميت. ابن المجرّة هو ولا بدّ له أن يعيش ، أن يثبت قدرته على التحدّي ، على أن يكون شهابا يتقن التصويب ، يطرد من دنيا الورى الضعف ويزرع البسمة في أرض النحيب.
تونس......9 / 8/ 2019
بقلمي ...جميلة بلطي عطوي
No comments:
Post a Comment