قصة قصيرة
محاضرة قاتلة
كانا يغادران قاعة الملتقى جنبا إلى جنب. يتبادلان الهمسات، ويتقاسمان الهواجس والمواقف، وينشران ضحكاتا لعلّها ضحكات الانتصار، وربّما هي ضحكات نسمات الحريّة التي أصبح يتنفّسها كلّ مبدع.
لم يكن يخطر بباليهما أنّ الكدر قد يلفّهما من جديد حين اقترب منهما شاب في مقتبل العمر.
سمح الطلعة، نيّر الوجه، أنيق الثياب. ودون سابق معرفة بينهم أو خلاف استلّ من بين طيّات ثيابه سكينا وطعنها ليرديها قتيلة. غطّى الدّم المكان وعلت حشرجة شبيهة بتلك التي تصدر على الإبل عند النحر. ذبل بريق عينيها الذي كثيرا ما سحره. وشحبت وجنتاها الورديّتان. وانطبقت شفتاها اللتان كانتا لا تكادان تتلامسان لابتسامتها الدائمة. وقف مشدوها تملأ عينيه صورة لم يعهد ها عليها. لم تكن لديه ممّن يحبون السكون ولا ممّن يمتهنون الصمت. لم يعرفها من الشكّائين ولا من البكّائين ... شتّتت الألوان بصره، وضيّقت عليه الجلبة من حوله الخناق. كان في كلّ مرّة يقترب منه أحد المتطفّلين يرجو في سريرته أن يوقضها. أجال بصره في المكان وفي المكان المحيط به. اكتنفه إحساس مدمّر بالوحدة وبالغربة. أخذها بين ذراعيه، ضمّها إلى صدره، قبّلها بحميميّة، ثمّ وضع بين أصابعها رسالة لم يسلمها لها. لم يرغب في مغادرة المكان، كما لم يكن يستعجل نعيها. أعاد بصره نحوها من جديد. وقعت عيناه على دفتر ملطّخ بالدماء بجانبها كان قد أهداه لها في آخر لقاء بينهما قبل بداية أشغال الملتقى. فتحه. طالعه في أعلى الصفحة الأولى عنوان مداخلتها التي كانت تنوي إلقاءها. سقطت دمعته على خديها، أخذ الدفتر، عاد أدراجه إلى القاعة، وشرع في قراءة المداخلة" لماذا يقتل العقل". لم يكن بوسعه إنهاء القراءة .وأرجأ ذلك في انتظار سكين آخر.
رياض المساكني (انقزو)
مساكن / تونس
No comments:
Post a Comment