Friday, August 9, 2019

جدلية الخفاء و التجلي ... بقلم الكاتب المبدع الأستاذ / صالح هشام

خاطرة من وجع الخاصرة: صالح هشام٠
جدلية الخفاء والتجلي في حاء الحرباء ٠
      الحاء، وما أدراك ما الحاء!
  حاء الحب والحرب، والفرق بينهما راء تجر أشواكا في صدور القش المتهشم تحت أقدام البغال المتطاحنة٠ حاء مخيفة مرعبة٠٠٠ حاء لا ئطة بالقلوب منذ الأزل٠٠٠ حاء تمارس لعبة حاء الحرباء، لعبة الخفاء والتجلي بين قطبين متناقضين٠
   الحاء حربائية الاستدارة الكاملة، في الحرب تصادر صدر الحقيقة، في الحب حاضرة مزيفة، في الواقع غائبة في القلب٠
     ملتفا بحاء حمقي  سألت - يوما- عنك يا حاء، حاء الحقيقة: من تكونين حاء الحرباء يا هذه البلهاء التي لا تستقرعلى حاء حال؟ حاء حكم استبد به حكام طغاة فعاثوا في الأرض والعرض فسادا، حاء حلب مدمرة ، حاء حياة عروبة كل يوم تقتلها حاء انبطاح ولعق أحذية أسياد بلا سيادة، حاء حلب ضياع الضياع، حاء  حلب تشيء الإنسان، وتؤنسن الأشياء: قتل وفتك بالأحياء، وإحياء كراسي مهترئة متلاشية٠  حاء حلب أشلاء رضع وأطفال ونساء وشيوخ  في غياب وغفوة ضمير إنساني أصابه الصدأ وتعطلت كل وظائفه٠  حاء الحرباء والحرب تمارس لعبة افتراس البشر والشجر والحجر بأشع صورة يعجز عن تصورها الإنسان٠
حاء حلب حاء حليب ثدي، ترهل وامتص منه الجوع الماء والدماء، حاء حلمة امرأة تتحلل تحت ركام  حلب،  وحمص،  وعدن،  وغزة، وبغداد، وكل غيداء عربية من البر إلى البحر٠ خاصرة امرأة مسلمة  مغروزة فيها سكاكين كلاب بورما ملفوفة بصمت عالم منافق يكيل بمكيالين٠
    الحاء حاء الحلم العربي المصادر٠ حاء حيوان شيطاني شرس يستوطن دواخلنا، فيغتال حاء الحياة  في حاء حمص وحلب٠ الحاء حاء حقيقة إرادة عربية مشلولة، تسمع في كل حين استغاثة عمورية، فتغض الطرف، لأنها تمرست على الخذلان، وتدربت على الهزائم والانتكاسات، فلم تعد تقوم لها قائمة٠
    الحاء حاء الحاكم العربي، تتقن لغة التخفي، تمارس لعبة صمت الصمت، تحفظ عن ظهر قلب حكمة (من صمت نجا ) فأصبح غض الطرف بدعة مضافة إلى قاموسنا العربي في زمن الانبطاح والخيانة٠    
    حاء حمص وحلب: حاء أبشع حقيقة في تاريخنا الحديث٠ في ربوع دمشق العرب نكتم حمحمة أبجر الصحراء العربية، فيصيب الصدأ حسام الفارس العربي في غمده،  وتخبو جدوة لهيب نخوة داحس والغبراء والقادسية واليرموك، فتغتال الثورة، وتعرى العورة، فتعبث ريح العري بنخوة فارس الصحراء العربية٠
       فما أقبح تجليات حاء الحرب في حاء حمص وحلب في زمن تزيف فيه الحقائق٠
  حاء الحرباء حمأة قاذورات، مرتع مهازل عربية في التاريخ  الحديث، حاء حياة لاحياة فيها لمن تنادي، موت نحسبه حياة، فنصادر- طوعا- حاء حلمنا بحياة كريمة كباقي خلق الله على وجه الأرض٠ نضع الروح  فوق الراحة من صنعاء اليمن إلى عروس البحر، هذه حاء حقيقة حاضرة/ غائبة، أكذوبة  بحبوحة تغري بالإبحار في متاهات بحار الشمال، وما هو إلا استغوار في كهوف أمل وهمي، ضبابي في  حياة ليس فيها من مقومات الحياة شيء، انعتاق لحظي من جدلية موت بطئ وحرقة خلاص من ظلم ذوي القربي في أوطان مقهورة، خلاص يأتي وقد لا يأتي٠
   الحاء حاء حلم أصفر بكسرة خبر وشاي حامض، تسكت غرغرة الأمعاء الصفراء الخاوية، حاء حلم  تمتزج فيه كل الألوان، فيفقد بريقه في بؤبؤ غاض فيه الماء، ونمارس -قسرا- لعبة العمى الأزرق رغبة في الحياة، وطلبا لماء عله يغسل  وجوهنا المتشققة بؤسا وجوعا وقهرا٠
    الحاء حاء حبيب حرم من حقه في الحياة، ودفء حنان الوطن، حبيب حزم أشلاء نخوته العربية في حقيبة، ولملم بعضه على بعضه، وحمل حلمه المسلوب، وفي تجويف قلبه يتشظى الوطن، يدوس كرامته بالمداس، ويمارس التغريبة الهلالية في غيرعهد بني هلال، وعلى جدار ذاكرته يحفر عميقا مفتاح الأمل في العودة٠ يحوقل، يحمدل كثيرا، ويبوس ظاهر اليد والباطن، ثم يضيع في متاهات البحث عن محار وهمي في بحارالآخرين، ملتحفا ثوب عريه القرمزي، ممتطيا صهوة جنونه،  ويهيم على نفسه نحو المجهول٠ لقمة سهلة- كان- بين فكي حوت البحر، فربما يعيد حكاية نبي الله يونس، لكنه يتقطع  أشلاء بين قواطع أسماك القرش، فالتشظي حاصل لامحالة٠ لكن على الأقل، فالبحر أرحم من بني جلدته، لأنه يستر موتاه، ويحتفي بهم، ويكرمهم، ويطمر أشلاءهم بعيدا عن قواطع الكلاب الضالة٠ فالحوت أولى بهذا العربي الذي أصبح دمه ماء، سواء كان قريبا، أو صديقا، أو حبيبا، أو عدوا، ففي المأساة تنتفي الفوارق، وتزول الحدود، ويتلاشى التمييز٠
  الحاء حاء محارة مسكونة بحلم ضائع، بين أحضان البحر تحكي حكاية حقبة خيانة وخزي وعارعربي، حقبة نلوك فيها أنا الماضي والحاضر والتاريخ، نتغنى بصولات سيف  ما حملناه يوما على الأكتاف إلا للرقص، وظهور خيل  ما ركبناها يوما إلا للقفز على الحواجز، أوالمسابقات في عواصم الغرب، فكنا فرسانا بلا سيوف ولا خيول ولا نخوة،  نتلذذ بطعم الهزائم  والانتكاسات٠
     الحاء  حاء محارة تتغنى بسلامة يونس من الموت في بطن الحوت، وتبكي فقدان شهداء القهر في الأوطان العربية المقهورة، فتنعاهم شهداء قمع واضطهاد تمارسه عليهم تماثيل محنطة مغروزة في خاصرة الشعوب العربية٠
    في قاموس الحرف العربي السكران بنجيع  الجراح حتى الثمالة، وجدتك حاء حربائية متناقضة، تتبوء صدر الحلم والحب والحرب، لكن الحلم مصادر، والحب فاقد طعمه، أو لم يعد له في القلب مكان، أما في الحرب، فنستوردها من قواميس الغرب مع قارورات الكولونيا، وشفرات الحلاقة، وحتى الغترة والشماغ، قواميس تبرر قتل الإنسان العربي بدم بارد٠
     كل كلماتك فقدت محلها من الإعراب في زمن الأعراب يا حاء، وضاعت من صدور وأعجاز القصيدة العربية٠ لم نعد في حاجة للقصيدة، لأننا أبحنا اغتصاب عمورية، وأدخلنا إلى فراشها كل زناة الليل، وانشغلنا بالبحث عن أصل وفصل مولودها سفاحا، ولتكريمه بنسب يحفظه التاريخ من السلف للخلف٠ الحرف العربي  يا حاء، فقد ريقه وبريقه وأصابه الاجتفاف القاتل٠ لا يجب أن نستغرب هذا، فقد أصبحنا مرضى بإسهال الفكر والأمعاء٠
       فما أكثرك ذكاء، وما أكثرك غباء يا حاء!
    بوقاحة، تمارسين لعبة الحضور في اختلاس الأحلام، تمارسين لعبة الغياب في  الحب والحكمة والحق والحقيقة، وبمهارة تمارسين لعبة  الخفاء والتجلي٠
     في صهيل الخيل وصليل السيوف في داحس والغبراء، تعرين حقيقة الوهم  والانفصام العربي عن واقعنا، فنتمسك بعمائم الأجداد وبأمجاد الماضي٠
      فما أكثرك حمقا ياء حاء الحرب، يا حاء الحب ، يا حاء الحكمة،  يا حاء الحاكم، يا حاء المحكوم!
  فأنت حاء الحمق والجنون، حاء حب الحب، حاء حكمة الحكمة، حاء الحلم والحلم (بضمك وكسرك )، الحاء في كل القواميس تتشابه، إلا في قاموسنا العربي: تحرق الزرع والضرع،  تحرم الحلال وتحلل الحرام، وتبيح القتل باسم الحرب، فيستيقظ  الحيوان الشرس فينا، وبحمد الله تجز الرؤوس، ويذبح الأبرياء، ويمارس نكاح الحرائر٠ حاء الحب تحل محلها حاء الحرباء والحرب: بحد السيف حكومات تحكم وظهور تقصم، إنه العبث، إنه الحمق، إنه الحلم الأعمى تمارسه هذه الحاء الحمقاء٠
    فما أقساك حاء الحرباء!
   سبب أنت،  في حمق حلمنا بالمحار في محيطات الآخرين، مسؤولة أنت، عن تمسك العربي المقهور بكراسي الوهم، والرضى والإذعان لواقع محقور مقهور، تصادر فيه الكرامة٠  فاستعذب – قهرا- عويل الثكلى، ونحيب الأرملة، فقبل مكرها نصل الحسام يسحقه سحقا٠ فسحقا لوجود، نحن فيه  حمولة  زائدة على ظهر حمار استفاق من غيبوبة البلادة، وبدأ يمارس شغب حاء الحرباء٠
      كلنا حمقى، هم حكامنا انتخبونا شعوبا لهم، هم قبلونا حملا ثقيلا عليهم في حواضرهم، فنحن البهائم في حظائرهم، نحن المجانين وهم الحكماء، هم السادة ونحن العبيد، هذه حقيقة بحد السيف، والبرميل المتفجر، اقبلوها حقيقة رغم الأنف والأنفة٠
    فما أقساك حاء الحرباء !
    ما أجملك حاء الحب !
     ما أروعك حاء الحكمة !
  ما أبشعك حاء حلب وحمص في قبضة الحيوان المفترس في الإنسان!
  ما أ قبحك في انحناءة جسد شامخ  لحظة احتضار قسري!
   لنا الله من قبل ومن بعد يا حاء الحرباء!

No comments:

Post a Comment