Saturday, July 21, 2018

رشف الرضاب ... بقلم الكاتب المبدع الأستاذ / محمد رشاد

(رَشفُ الرُّضاب)
في عام 1978 - وكُنتُ في الرابعة والعِشرين - أُعالج أمر طلاء أحد الجدران في بيت من بيوت بغداد ، بعد أن انقطع السبيل إلى أن أعملَ بمِهنَتي ، فلم يَعُد أمامي إلا الكدح بالجَسَد ، التَفَتُّ إلى حيثُ تأدَّى إلى سمعى صوتٌ أرَقُّ من النَّسائم النادية في هجير القَيْظ ، فإذا غادَةٌ حالية لم تبلُغ من ربيعها العشرين بيضاءُ مُشَرَّبَة الخدين بصبيب الورد ، لفَّاء ،ناهِدٌ ، وضيئة المُحَيَّا ، أسيلَة الشَّعر ، لو هبَّ خيالُها على مُدنَفٍ تالِفٍ ، لأبرَاَه ، وبادَرَتني بلهجَتها العراقية ، وبصوتٍ كأنما يصدرُ من بابل ، وكانَ الجوُّ حارًّا وقد جفَّ ريقي وراحَ جبيني يتَفَصَّدُ عَرَقًا : (عيني تِريد مَي ؟) ، فلم أملك إلا أن أقول :
ماءً تُريــــــدُ ؟ فُديـتَ يـَا رِيــمَ العَرَبْ
رَشفُ الرُّضابِ مِن الشِّفاهِ هـوَ الأَرَبْ
يا ذَوْبَ قلـــبٍ جَرَّعَتْهُ يَـــــدُ الحَيـــَــا
ةِ الوَجْـدَ إنْ تَقســي عَلَيـــهِ فقَد نَـضَبْ
شَكـــواهُ أنْ تَبْـــلَى القَناعَـةُ والكَـــرَى
وجَـواهُ أنْ تَحيــَـــا اللُّـبــانَـةُ والطَّلَــبْ
وَجــهُ يُريـــــقُ السِّـحـرَ إمَّـا أجـدَبَــتْ
نَفـــسُ المُعَنَّى والعُيــونُ لَـــهُ سَـبَـــبْ
يَـحْمَرُّ مِنْ خَجَلٍ ويُومِضُ مِن هَـــوًى
ويَميـلُ مِن لِـيـنٍ ويَشــرُدُ مِن عَجَـــبْ
وَطَـــــرٌ تَــــلاعَبَ بالفُــــــؤادِ كأنَّــــهُ
وَتـــَــــرٌ تٌمَوِّجُـهُ الأنـَــــامِلُ للطَّــربْ
مَجْلَـى البَهـَــــاءِ ورُبَّ حُســنٍ دُونَـــهُ
أَرَبَ البَهَـــــاءَ جَـلا المَلالَةَ واحتَـجَبْ
(محمد رشاد محمود)

No comments:

Post a Comment