Saturday, May 18, 2019

ابتلاء ... بقلم الكاتب المبدع الأستاذ / خالد حميدة

ابتلاء

عقب صلاة التراويح في باحة الجامع وقف زياد مع جمع صغير وكانوا يتحدثون عن مقتل حمدو بطريقة وحشية – طعنا في عينيه – وعن أسباب الحادثة ومن يقف ورائها، تركهم زياد وتوجّه إلى عمله وفي الطريق مرّ على صيدلية ليبتاع بعض الأدوية سوى أن الحديث تكرر عن القتيل وقصته ولكن قطع عليهما الحديث دخول عجوز متبرجة تفوح منها العطور ويفيض وجهها قبحا ولها أشنع الملامح وبدا من خلال التحايا المتبادلة بينها وبين الصيدلي أن هناك حبال ودّ بينهما فاستأذن زياد وانصرف وفي الطريق لقي علي الجار البعيد وتجدد الحديث عن الميتة السيئة التي وقعت في الحي، وتململ زياد في نفسه من كثرة الحديث بذات السيرة من عديد الأشخاص، ويكأنهم ينتظرون الواقعة ليستفيضوا في كثرة الكلام عنها، واقتصد زياد في كلماته وغادر وهو يحوقل جهرا وسرا.
في دكانه يرتب زياد الأقلام في أمكنتها المناسبة يسحب أقلام اللون الأزرق من بين أقلام اللون الأحمر ويضعها مع قريناتها من ذات اللون وكذلك يصنع مع باقي الألوان ويتوجه إلى قسمه الصغير المحبب ويعيد ترتيب الكتب والروايات بطريقة بديعة لتجذب الزبائن إليها ويضع أكثرها قربا لقلبه في الواجهة، يرن الهاتف
- السلام عليكم
- وعليكم السلام، كيف حالك زياد؟
- أهلا أختي، الحمد لله، كيف أيامك؟
- تمام، زياد تلقينا اتصالا الآن ونحن مدعوين الآن لنسمر عند بيت جدك.
- حسنا سآتي حالا.
في حي جب القبة شارع ضيق يحمل اسم " دكاكين حجيج " منزل عربي قديم له فسحة سماوية بديعة وغرفة مخصصة للضيوف وبضعة غرف للمعيشة وللنوم لأصحاب الدار وفي غرفة الضيوف عقدت اجتماعات صغيرة حول المؤسسة التي تُعنى ببيع الأدوات المنزلية والتي شرعت تطرح نشاطها في حلب بشكل ملحوظ وتعود جنسيتها إلى ماليزيا ويقوم عملها على توظيف عملاء أوليين يتم ترقيتهم في حال جذبوا إلى الشركة عملاء آخرين، كل عميل يستقطب عشرة عملاء، ويتنقل الفرد الأكثر نشاطا في الرتب حتى الوصول إلى رأس الهرم المزعوم، أثناء الاجتماعات والمباحثات انقطعت الكهرباء، سمع زياد هلوسات وصرخات غريبة تأتي من بعيد وما تلبث أن تقترب أكثر فأكثر، خرج من الغرفة ليستطلع أمر تلك الأصوات فإذا بمسوخ تنزل على جدار المنزل، تقطر منها الدماء وتنبع أجسادها قيحا، على عجل هيئ مسدس وراح يطلق النار عليها، بضع رصاصات ونفدت الذخيرة، وهاجمت المسوخ الأطفال والنساء تقتل وتأكل وتمتص الدماء والتحم زياد مع أحد مسوخ واستغرب أن المسخ يهلك بالفسخ، في القبو رجل طاعن في السن يصلي ولا يعلم ما يحصل في الخارج كلما ذكر الله احترق مسخ، وانشغل كل فرد بالذود عن نفسه نجى من نجى وهلك من هلك سوى أن زياد قتل كثيرا من المسوخ وخرج من البيت يركض باتجاه ساحة قاضي عسكر يتبعه عدد كبير، حينما وصل بالتعب والكد أوقف أول سيارة مارة فكان يقودها صديقه نزار، ألتقيا بمحض الصدفة وسرد زياد ما حدث بعدما هدأ روعه، وانتقلا إلى القسم الآخر من المدينة وركن نزار سيارته وفتح حاسوبه اللوحي وأوصل جهازه بالشابكة وشرع يبحث عن سبب لما يحصل في المدينة فما توصل لنتيجة، وتوالت الأخبار عن الانتشار المريع لتلك المخلوقات وتكاثر عدد القتلى وانتشار الجثث والخراب في حي بعد آخر حتى غدا نصف المدينة ميتا والنصف الآخر متهالك لا يقوى على الحياة.
في حي الأشرفية المرتفع نسبيا عن باقي أحياء حلب انتبهت فيدان لأمر غريب، هي تسكن مقابل جامع صلاح الدين، كلما رفع الآذان احترق عدد من المسوخ واخبرت غيداء وسعاد بذلك عبر مجموعة الواتس التي تضمهن وأشرقت التساؤلات في رؤوسهن عن السر الكامن في الآذان هل هو الصوت المرتفع لكن أكثر الناس يصرخون حين يكون الفزع الأكبر ولا يؤدي إلى شيء، وهناك أيضا كثير ممن يذكر الله حين عظيم الخوف.
زياد يجمع أغراضه وأغراض ما تبقى من أسرته ليرحلوا عن المدينة الموبوءة وليدخروا ما تبقى من حياة لقادمات الأيام سوى أن أخته صاحت من الغرفة المجاورة، هرع إليها مذعورا تحدثه نفسه أن الأسوأ قد وصل إليهم سوى أنه وجدها جالسة أمام حاسوبها، اطمئن فؤاده.
- تعال انظر على هذه الصفحة على الفيس بوك
اقترب ليشاهد فقرأ
" اخوتي المتبقين في مدينتنا المنكوبة حلب أنا أقطن في حي أشرفية مقابل جامع صلاح الدين وقد لاحظت أمرا وهو احتراق المسوخ حين رفع الآذان وهذه دعوة مني لنجرب أن نرفع الآذان بوقت واحد في شتى أنحاء المدينة لنتخلص من هذا الوباء المفرط "
كان الوقت يقارب موعد آذان العصر واستعد المؤذنون لرفع الآذان بوقت واحد من عموم المساجد في المدينة وكذا صعد أصحاب الحناجر الذهبية من أبناء الديانة المسيحية إلى أبراج الكنائس ليتشاركوا مع المسلمين في رفع البلاء عن مدينتهم وحلّ الأصيل وهتفت الحناجر بألم رحيل أحبتهم وبأمل انزياح البلاء عن وطنهم وضجّت المدينة: الله أكبر .. الله أكبر
           الله أكبر .. الله أكبر
حين انتهى المؤذنون نزل الناس إلى الشوارع ليجدوا أبدان المسوخ المحترقة تملأ الشوارع والساحات وروائحها الكريهة تزكم الأنوف وتبيّن فيما بعد أن الاتفاقيات التي وقّعها بعض الأشخاص ما كانت إلا تراخيص لدخول المسوخ إلى المدينة وكان حمدو الشاهد الوحيد على حقيقة ذلك الأمر وأن تلك المسوخ ما هي إلا شياطين.

No comments:

Post a Comment