(((غربة الروح)))
لم أكن أعلم بأني سأكون غريبا يوما ما ،عن وطني
بعيدا تائها، في أصقاع الأرض ،مشردا كغيري
وقد ناحت عيوني حيارى ،لا تعرف طريقا للعبور،
وهدني الشوق، عندما رحلت عن وطني ذات ليل،
حيث لم أكن يوما لأنسى فتاة الروح والقلب،
النائية في بلاد بعيدة، وقد شغفت بها حبا ملأ
كياني، وفاضت أشواقي حتى انتفضت الشرايين،
تنبض باسمها في كل ثانية دون حد،
فتأججت في الحنايا نيران الوجد ،
وطافت دموع المقل، حزنا على الخد ،
وليس هناك من وصال؟ يصلني ولا رد ،
حتى ناديت بأعلى صوتي؛ وتتالى إلى سمعي
الصدى، بأنين روح إلى قلبي يرتد ،
خاب الرجاء مني، ولم أكن أعلم بنهاية أمري ،
فلقد كانت يوما هي حياتي، فخاب أملي وظني،
برحيلي دون أن أ علمها ، بهجرتي وغيابي وسفري،
فلا أرى لي طريقا مضاء، يعيدني إليها ،
وللماء الذي كان بيننا، صافيا رقراقا يجري!
فلا أستطيع البوح جهراً، في بلاد لا تبالي بقدري ،
ولا تهتم بما في شغاف فؤادي ،من حرقة الوجد،
بأوصالي تسري،
وعدت أ جالس الأطلال ، وأنا أتجرع كأس الحنظل
المر ،بقهريدميني، وكأنه يبشرني بحفر قبري،
وقد ضاع عز شبابي هباء مني ، دون أن ادري ،
و صفاء القلب يغشاه ضباب ،وقد ازداد كدري ،
أعيد شريط الذكريات في مخيلتي، كل لحظة
من عمري،
فتتراكم تلك الصور ،التي كانت يوما
تملأ ني غبطة وسعادة
وفرحا ،ولكن الآن لا تزيدني إلا حزنا وألما
وأشجانا، وروحي تهذي من ألم وحنين،
لتلك الأيام، التي صارت ذكرى تراودني،
من غير رحمة، لما آلت إليه حالي من وجد،
يحيلني بركانا يستعر بالنجوى، ويؤجح مواقدي
في ظلمة ليل مهجور، يفيض بأركاني،
وتتدفق تلك الصور، كشريط سينمائي بثوان،
في سراديب ذاكرتي، وتعزف تراتيل أشجاني،
على أوتار قلبي المفجوع ،من حسرة وضياع الأماني،
وليس هناك من مؤنس لي سوى تلك الدموع،
التي تتهاطل على خدي، كسعير ونار تغلي فيثور بركاني،
فتحرقني أينما سالت فلا أرى سوى الهروب،
والاختفاء عن أعين البشر، حتى لاترى ضعفي وهواني!
وما أخفيت من تلك الصور الحزينة ،
التي تحرق بالأنين أنفاسي ،و تعبث بمصيري ،
الذي لا أعرف له أمانا، في غربة روح تتقاذفني،
وتشرد وضياع ، وأنا أقتفي أثرا لشعاع نور،
غاب عن دنياي وأحلامي، ولا أستطيع أن أ تمسك به ،
وأنا في ظلمة أقدار، نأت بجسدي بعيدا
بعيدا عن وطني، في غربة مميتة قاتلة لا ترحم ،
وأناس لا يلقون بالا لآلام الروح المشردة
الممزقة ،
هكذا هي الدنيا قاسية قاتلة، لا تشفق و لاترحم ،
أرواحا تئن في نحيب، وتكوي بنار قلبا محبا،
بات غريبا من ظلمة الأقدار، وما حل بالديار،
تاركا جسدا مسجى على ضفاف الأمنيات،
وروحا تحتضر في عالم
غريب كئيب ،تنارع الحياة ، وهي تتوارى
مع كل غروب،
في طيات الغياب!
رئيفة الجندي / سوريا/
12/8/2018/
No comments:
Post a Comment