الزواج الأبتر..قصة قصيرة بقلم أ..أيمن حسين السعيد..سورية
هناك في الجبل الأسود تموضعت بيوتهم التي بنوها من الحجارة السوداء،وسط ركام الأحجار البركانية المتفحمة ،وكانت معظمها ممتلئة ثقيلة والبعض منها فارغة خفيفة يسمونها حجارة الخفان لخفة وزنها ويستخدمونها لكشط تقشر كعبي الأرجل.
استوطنت هذه المنطقة من الجبل ثلاث عائلات هم آل العبد وآل العيس وآل الصوص،كل طائفة اختارت لها مكانا وبنت بيوتها ودورها بجانب بعضهم البعض،وحسب الجغرافية المكانية استوطن آل العبد أعلى نقطة في القرية التي أسموها السودة فيمابعد،في الجنوب الشرقي وذلك لعملهم بالرعي وقرب مرعى الجبل في تلك النقطة،أماآل العيس فاتخذوا من الشمال جهة تموضع وبناء بيوتهم المتناسقةوالجميلة على عكس منازل آل العبد وآل الصوص والتي كانت بيوتهم حظائر لماشيتهم إذأن آل العيس فلاحون وبنفس الوقت مثقفون وإلى جانب اتخاذهم جهة الشمال لبناء منازلهم لقرب أراضيهم الزراعيةمنها ولقرب الطريق العام كذلك الذي يتجه شمالا إلى الشرق حيث المدينة التي كان آل العيس موظفون فيها لدى الدولة وهم كرماء ومسالمون على عكس آل الصوص بخلاء وأنذال ويحبون المال ولو على حساب كرامتهم وعلى عكس آل العبد الذين كانوا فقراء وعمالقة في الجسم ورعاة فلا يخافون ولا يهابون أحد،وآل الصوص اتخذوا من وسط السودة مكانا لدورهم وسكنهم ويتصفون بقصر الطول وسواد وجوههم وكثرة فتنهم ودناءتهم وخستهم،حيث كانوا يفتنون مابين آل العيس الذين لايردون عليهم وآل العبد الذين كانوا ينظرون إلى هؤلاء الأقزام نظرة العبيد وهم معروفون بكدهم بالعمل إذ يجهدون في تحصيل المال الذي كانواومازالوا عبيدا له كتعويض عن نقصهم في خلقهم وشكلهم الجسماني.
لم يكن من تقارب ودي بين الطوائف الثلاث،منذ أيام فرنسا بسبب اعطاء المخترة واختيار نائب عن المنطقة من آل العيس المثقفون على عكس آل الصوص وآل العبد الذين لم يولوا أهمية للعلم.إلا في بداية الثمانينات من القرن الماضي بينما كان معظم المثقفين من آل العيس في مراكز متقدمة في الدولة على كافة المستويات،بل إن بعضهم غادر مع فرنسا عندما استقلت سورية عنها وجابوا أوروبا وأمريكا بعلمائهم وأطبائهم ومنهم مدرسون في جامعات أوروبية مشهورة وعريقة.
منذ مجيئهم السودة وحتى هذه اللحظة تناقل الأبناء عن الآباء عدم الاحتكاك مع الآخرلدرجة أن مسجد القرية المكان الوحيد لاجتماعهم كانت كل طائفة تتخذ جهة لصلاتها وحتى يومنا هذا فآل العيس ينتحون جهة الشرق وآل الصوص في الوسط وآل العبد في الغرب ولا يكون الامام من السودة بل من خارجها ويخصصون له منزلا بجوار المسجد ومبلغا متفقا عليه يدفعه أغنياء الطوائف الثلاثة.
هذا الوضع ألقى بآثاره السلبية بزواجهم من بعضهم البعض على عائلتين هماآل الصوص والعبد أما آل العيس فلا بسبب عدم زواجهم من بعضهم إذ أنهم يعطون بناتهم الدارسات الى من يتقدم لهن من خارج السودة وبنفس الوقت أولادهم الشباب يتزوجون من خارج العائلة وحتى من خارج الوطن أوروبيات جزائريات مصريات ومن المحافظات السوريةالمهم أن يكن مثقفات فكانوا جدا سعداء في حياتهم،على عكس آل الصوص وآل العبد فنتيجة زواج القربى من بعضهم البعض خلف لهم آثارا سلبية وأحزانا في حياتهم إذ نادرا ماتجد عائلة واحدة منهم ليس فيها أصما أو أبكما أو أعمى أو مصابا بشلل دماغي اومنغولي أو بداء السكري وحتى السرطان الذين يعزونه للقهر والآباء نتيجة هذه المآسي هم الآخرون مصابون إما بانخفاض الضغط أو ارتفاعه أو أمراض القلب ونقص التروية الدماغية وحتى بعضهم من يفقد الذاكرة ويجول القرية حافي القدمين ويفترش أحيانا الأرض نتيجة عدم معرفته من يكون وأين يكون لكثرة وجود المآسي المرضية من فلذات أكبادهم معاقون لا يستطيعون عمل شيء لهم.
آل الصوص يتزاوجون من بعضهم البعض لتفكيرهم الدنيء والخسيس في ألا يذهب ميراثهم إلى الغريب،أما آل العبد ففقراء وجهلة ونتيجة ضخامة أجسامهم وجهلهم العلمي كانوا ينظرون إلى كل من حولهم نظرة التعالي والتكبر على من حولهم من آل الصوص الذين كانوا أقزاما وعرضة لإرهابهم وابتزازهم في أرزاقهم وكانوا خانعين لهم خنوع العبد الوضيع الذليل لهم وقد حاول آل العبد فرض هيمنتهم على آل العيس ولكن بمساعدة فرنسا لقنوهم درسا لا يزالون يذكرونه حتى اللحظة وهم منخرطون في الدولة فلم ينجحوا فيما نجحوا فيه مع آل الصوص.
دخلت منزل أحد من زملاء الدراسة معي من آل العبد في المرحلة الاعدادية،بدعوة منه لأمر يريد مني خدمته فيه بالمدينة كوني كنت أقطن فيها،هالني ما رأيت طفل وطفلة مصابين بشلل دماغي فقلت:
-لا حول ولا قوة إلا بالله.
-الحمد لله.
-أهم أولادك.
-نعم وهذا أحمد يجب أن يكون قد دخل عامه الثلاثين في شهر مايو المقبل.
-ماذا تقول؟ عامه الثلاثين وطوله لا يتجاوز الأربعين سنتيمترا.
-نعم وهذه ليلى عمرها واحد وعشرون عاما.
-يا إلهي!!!
نظرت إليهما كانا فاغري الفم الذي لا تناسق في اصطفاف أسنانهمافيه ويبتسمان لي بضحك صوته واضح من حشرجة صدريهما وكلاهما كان لعابهما يسيل على قطعة قماش موضوعة على وسادتيهما تحت رأسيهما الغزير شعرهما الأصفر،كانا بنفس الطول و ينظران بعينين زرقاوين جاحظتين وكأنهما يرحبان بي.
دخلت زوجته السمينة حاملة بيدها صينية الشاي قائلة :
-أهلا وسهلا أهلا وسهلا وسألتني عن أختي المتزوجة من أحد العائلات المعروفة بحلب.
-الحمد لله بخير.
-كم ولدا لديها.
-خمسة ثلاثة ذكور وبنتين.
-الله يحفظها وإياهم سلمنا عليها.
-يصل سلمك الله على الرسول السلام.
صب زميلي الشاي وغادرت زوجته الغرفة،ثم تنهد وزفر زفرة عميقة قائلا :
-الحمد لله هي الأخرى مصابة بداءالسكري ولدي بنتان صبيتان مصابتان بالعمى.
-ماذا.
-أي والله يا أخي ولا يخلو بيت من آل العبد إلا وفيه مصيبة مثل مصيبتي.
-لما يا صديقي.
-بالنسبة لي تشابه زمرةالدم بيني وبين زوجتي وهي ابنة خالي ومنذ الولد الأول الذي أصيب بشلل دماغي وعمره سنه حذرنا الأطباء بعدم الإنجاب ولم نأخذ تحذيرهم على محمل الجد.
هنا كدت أنفجر واستشطت غضبا.
-يا آل العبد حقد وتعالي وتكبر على الناس وظلم لهم وسأضيف لها أن الحمار الحيوان لديه فهم أكثر منكم.
ضحك صديقي وقال :صدقت
-يا صاحبي في الاعدادية امنعوا زواج الأقارب في طائفتكم وانفتحوا على البشر والناس وزوجوا أولادكم ممن لايمت بصلة قربى لهم تحصلون على أولاد أصحاء أقوياء
-صدقت والله اصبحت في الخمسين من عمري وأتمنى أن يكون عندي ولد معافى اعتمد عليه ولو في رمي القمامة في الحاويةوزوجتي المريضة تتمنى لو كان عندها ابنة تعتمد عليها في الأمور المنزلية كونها مريضة.
-أنت إنسان عديم الفهم منذ حذرك الأطباء عن ضرورة وقفكم لإنجاب الأطفال كان عليكم وقف جريمتكم بحق أنفسكم وبحق هؤلاء الأبرياء المعاقين الذين لا حول لهم ولاقوة
-هذا الذي حدث ومشيئة الله وإرادته.
-وتلقي اللوم على الله يا رجل اتق الله ،الله بريء مما تقول أنت من رميت بنفسك إلى التهلكة بزواجك من ابنة خالك.
-صدقت والله أحس آل العبد بالعطب فلا يوجد بين أولادهم من يعتمد عليه بسبب أمراضهم واعاقتهم فكلنا كالمبتورين بسبب زواجنا من بعضنا البعض.
-الحمد لله أنكم فهمتم وشخصتم المرض ولكن هل بدأتم بأخذ الدواء.
-نعم لا لزواج الأقارب بشكل نهائي واليوم أنت مدعو لأول عرس يكون فيه العريس متزوجا من خارج طائفته وأقاربه.
-ألف مبروك الآن تمشون في الطريق الصحيح والآمن.
أ. أيمن حسين السعيد...سورية.
No comments:
Post a Comment