Friday, August 24, 2018

قراءة نقدية ... بقلم الكاتب المبدع الأستاذ / حسن الفياض

بسم الله الرحمن الرحيم

قراءة نقدية

عفةٌ
رَجَمَتْ خيالَ الشَّيْطَانِ؛ اكتحلتْ بالفرحِ عيونُ الملائكةِ.

القاصة / الأستاذة / فاطمة دغميش (جميلة الأُسطورة) / الجزائر

قراءة نقدية / الأستاذ / حسن الفياض / مصر

نص القراءة النقدية

عِفةٌ
رَجَمَتْ خيالَ الشَّيْطَانِ؛ اكتحلتْ بالفرحِ عيونُ الملائكةِ.

قبل أن نلج إلى متن النص علينا أولا أن نقوم بتوضيح وشرح العنوان (عفةٌ) وذلك لما للعنوان من إيحاءات، و دلالات رمزية، تنعكس على متن النص.

عِفَّةٌ: (اسم)
عِفَّة: مصدر عَفَّ
عِفَّةٌ فِي القَولِ والفِعلِ: الامْتِنَاع وَالكَفّ عَمَّا لاَ يَحِلُّ فِعْلاً أو قَولاً ..

العفة في اللغة هي:
ضبط النفس عن النقائص، والكَفُّ عما لا يَحِلّ

والعفة في الشرع: هي تنزيه النفس، وضبطُها عن الانسياق وراءَ الشهوات، والكفُّ عن المحرماتِ، وسؤال الناس على وجه الاستجداء.

 والعفة في الفلسفة والتصوُّف هي:
  اتّزانٌ في الميول، والرَّغبات، وكبح جماح الشَّهوات، والعواطف، وهي امتناع اختياري عن إرضاء حاجة، أو رغبة طبيعيّة..

قال تعالى ((وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ))من الآية (33) سورة النور

قال الشاعر بشر الضبعي:
إذا قل مالي أو أصبت بنكبة ... قدحت حياتي عِفَّةً وتَكَرُّما

وللعفة أكثر من حالة، فقد تكون العفة في الكفّ عن محارم المسلمين، كالدم والمال، وقد تكون العفة في الكفّ عن الأعراض، وذلك عن طريق كف الفرج عن الحرام؛ وكف اللسان عن الغيبة والنميمة، والخوض في أعراض الناس، وتكون العفة أيضًا في الامتناع عن المآثم، والمعاصي..
ولكن أي هذه الحالات أرادت القاصة؟

هذا ما سوف نعرفه من خلال ذهابنا إلى متن النص..

نأتي الآن إلى الشطر الأول من النص وهو ما يُطلق عليه في عالم الومضة القصصية: (جملة السبب)

(رَجَمَتْ خيالَ الشيطانِ؛)
 أرى أن القاصة جعلت ما يدور في خُلد بطلة النص من اقتراف أفعال آثمة هو في الأصل عبارة عن خيال شيطاني، وذلك لأن الشيطان هو الأصل في دفع النفس إلى فعل المحرمات..

وربما أرادت القاصة أن تقول لنا أن الشيطان قد تخيَّل أنه بمقدوره أن يدفع بطلة النص إلى فعل المحرمات، والرذائل، وذلك من خلال غوايته لها.

وفي كلا الحالتين، فإن القاصة قد أتت بفعل الرجم لتُرسخ في ذهن القارئ تلك العزيمة القوية، والفولاذية، في دحض هذا الخيال أو التخيّل الشيطاني، وذلك عن طريق الرجم، وهو الرمي بالحجارة حتى الموت، مما يجعل القارئ يتيقن تماما، وبما لا يدع مجالا للشك، أن هذا الخيال أو التخيّل الشيطاني قد تم القضاء عليه تماما..

وقد استخدمت القاصة الرمي بالحجارة (الرجم) كعقاب لهذا الخيال أو التخيّل الشيطاني إمعانًا منها في توضيح شدة العقوبة، حيث أن الرمي بالحجارة (الرجم) هو أشد العقوبات الشرعية..

والآن نذهب إلى الشطر الثاني من النص وهو ما يُطلق عليه في عالم الومضة القصصية: (جملة النتيجة)

 (اكتحلتْ بالفرحِ عيونُ الملائكةِ.)
نهاية مباغتة ومفاجئة لا يتوقعها القارئ حتى يجدها حاضرة أمام عينيه.
فقد بدأت القاصة شطر الومضة الثاني (جملة النتيجة) بالفعل (اكتحل).
اكتحلت: أي وضعت الكحل في عينيها.
واكْتَحَلَ الحَقلُ بالخُضرةِ: ظَهرَ فِيه النبتُ.
اكتحلت عين الرجل بحضور ابنه: أي فرِحت وابتهجت وسُرت.

ومن هنا ندرك أن الاكتحال الذي أرادته القاصة هنا هو اكتحال الفرح، والسرور، وممن جاء هذا الاكتحال؟ جاء من الملائكة التي لا تفعل إلا ما يأمرها الله به؟ وكأن القاصة تريد أن تقول لنا أن الله تعالى قد رضي عن فعل بطلة النص حينما رجمت الخيال الشيطاني، فجاء رضا الله سبحانه وتعالى عن طريق اكتحال عيون الملائكة بالفرح، وهو تعبير مجازي أرادت القاصة من خلاله التعبير عن رضا الله بما فعلته بطلة النص..

ولو نظرنا إلى التجانس سوف نجده حاضرا، وذلك من خلال الربط بين عنوان النص(عفة) وشطري النص (جملة السبب، وجملة النتيجة) سوف نلمس خيطًا رفيعًا يربط عتبة النص (عفة) بالجملة الأولى، فالعفة أمر ترغبه الكرامة، وعزة النفس، ولكنها لن تأتي إلا بوجود عقلٍ واعٍ وفكرٍ سديدٍ يلجم شهوات النفس، ويُعبّد الطريق الصحيح لها، وبالتالي يستطيع تحقيق هذه العفة.

ثم يأتينا الشطر الثاني من النص (جملة النتيجة) وما ناله من تشظي العنوان، حيث أن اكتحال عيون الملائكة بالفرح لن يكون إلا برشاد النفس البشرية، وابتعادها عما نهى الله عنه، حيث أن الملائكة (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) الآية السادسة من سورة التحريم.

أما عن ارتباط جملتي النص وتجانسهما، فقد جاءت جملة السبب ببيان خبر عن رجم خيال الشيطان، وجاءت جملة النتيجة بفعلٍ (اكتحلت) يعبر عن فرح الملائكة، فيخلق التجانس المطلوب..

وأما من ناحية الشكل البنائي للنص
فقد تكوّن هذا النص من العنوان (عفة)، وهو كلمة مفردة و مستقلة عن المتن، وليس هناك ثمة إشارة لها في متن النص، كما أن معناها قد تشظى في جملتي النص اللتين احتوتا على سبع مفردات وفاصلة منقوطة.

أما من ناحية التكثيف في النص
فقد اشتملت جملتا النص على سبع مفردات، مختارة بعناية فائقة، بحيث يصعب الاستغناء عن أية مفردة من هذه المفردات السبع..
 
أما من ناحية المفارقة
فإنها تبدو لنا واضحة وجلية، وذلك من خلال الفعلين (رجمت، اكتحلت)، فالرجم يفيد العقاب وعدم الرضا عما حدث، أما الاكتحال فيفيد الفرح والرضا.

أما من ناحية الإيحاء
فنراه في رضا الله (سبحانه وتعالى) متمثلا في اكتحال عيون الملائكة بالفرح بسبب عملية الرجم التي قامت بها بطلة النص لهذا الخيال الشيطاني..

أما من ناحية النهاية المدهشة والمباغتة
فقد حقق النص هذا الأمر وبقوة، فلو وقفنا عند الجملة الأولى للنص (رجمت خيال الشيطان)، فمن منا يستطيع أن يتنبأ أن تكون النتيجة هي اكتحال عيون الملائكة بالفرح؟؟

النص في مجمله رائع، واستطاعت القاصة (وبسبع كلمات فقط) أن تصل بنصها، ومراده، وفحواه إلى عقل وذهن القارئ، دون أن يحتاج القارئ إلى طرح أسئلة أو استفسارات.
حسن الفياض
22 / 8 / 2018

No comments:

Post a Comment