(قصّة قصيرة_ق.ق_)
لكِن شَيئاً ما يَبقى
وَهِيَ تَجلِسُ بِجانبِ حَبيبها، يَومَ زَفافِها، تَقَدّمَت نَحوَها، وَدِموعُ الفَرَح عَلى وَجنَتَيها، عانَقَتها وَقَبّلتَها بِعاطِفَةٍ جَيّاشَة.
_قالَت: مُبارَك لَكِ يا ابنَتي، تُبدينَ أجمَلَ الفَتيات في هذِهِ الّليلَةِ السّعيدَةِ...كُلّ السّعادَة وَالهَناء أمنياتي لَكِ مَعَ زَوجُكِ الرّائِع.
_قالَت لَها: كَم أحِبّك يا خالة، أنتِ لَستِ مُرَبّية فَقَط، بَل أمّي الثّانِيَة...الحَنانُ الّذي وَجَدتَهُ عِندَكِ هُوَ نَفسَهُ عِندَ أمّي، أشكُرُكِ عَلى مُتابَعَتُكِ وَرِعايَتُكِ لي مُنذ الصّغَرِ إلى هذا اليَوم.
جَلَسَت عَلى مَقرَبَةٍ مِنها تُراقِبَ بِقَلبِها فَرحَتَها، وَعَيناها قَد ذَهَبَتا إلى أصقاعِ الذّاكِرَةِ البَعيدَةِ قَبلَ عِشرينَ عاماً، عِندَما أتَتها مُجهَدَة مِن مَصيرَها الّذي أخبَرَها بِهِ سَيّدُها .
_قالَت لَها: أنجِديني صَديقَتي، لَقَد تَخَلّى عَنّي، بَعدَ زَواجِهِ مِنّي سِرّاً لأنجبَ لَهُ ابناً مِن صُلبِهِ، وَذلِكَ عِندَما عَلِمَ بِحَملِ زَوجَتِهِ الّتي شاءَ اللهُ لَها أن تَحمِلَ بَعدَ سَنواتٍ مِن زواجِهُما .
_قالَ لي: لَستُ بِحاجَةٍ لَكِ، إلَيكِ هذا المَبلَغ مِنَ المالِ يُعينُكِ عَلى قَضاءِ حَوائِجُكِ لَحينَ تُرزَقينَ بِعَمَلٍ غَير عَمَلُكِ عِندَنا في البَيتِ...أنا لا أستَطيعَ أن أبقيكِ هُنا لِئَلّا تُلاحِظَ سَيّدَتكِ عِلاقَتي بِكِ.
_قالَت لَهُ: أهكذا بكلّ سُهولَة تُنهي عِلاقَتُنا...نَعَم أنا أستَحِقّ ما يَحدِث لي لأنّني تَناسَيتَ الفَوارِقَ الاجتِماعِيّةَ بَينَنا..أنَت السّيد وَأنا الخادِمَة، كُنت واهِمَة بِالحُبّ وَقُدرَتِهِ عَلى إزالَتِها.
وَالآن يا صَديقَتي، ماذا سَأفعَل بِحَملي هذا؟
_قالَت: وَهَل عَلِمَ بِحَملكِ؟
...لا، لَم أخبِرَهُ بِذلِك.
حَسناً، سَتَبقينَ عِندي لَحينَ مَوعِدَ وِلادَتُك، وَبَعدَ ذلكَ سَنَرى ما عَلينا فِعلَهُ.
آهٍ يا عَزيزَتي، مَرّت الأيّامُ صَعبَةً وَثَقيلةً عَلَيكِ. بَينَما هُوَ في قِمّةِ نَشوَتِهِ يَنتَظِر قُدومَ مَولودَهُ الُذي طالَ انتِظارِهِ.
سَأخبِرُكِ بِأمرٍ يا صَديقَتي...لَقَد اقتَرَبَ مَوعِدَ وِلادَتُكِ وَيَلزَمُنا الكَثير مِن المَصاريف، لِذلكَ ذَهَبَت لِذاكَ البَيت الّذي خَرَجتِ أنتِ مِنهُ، وَقَبِلت العَمَلَ عِندَهُم مُرَبّيَة لِمَولودَهَم القادِمَ.
في البَيتِ السّعيدِ...أعَدّت السّيّدَة عُدّتِها لِلذّهابِ إلى المُستَشفى.
_قالَت لَها: هَل أتاكِ المَخاض يا سَيّدَتي؟
السّيّدَة: نَعَم، أشعرُ بِألمٍ شَديدٍ.
في المُستَشفى... وَضَعَت السّيّدة مَولودَتِها...عَمّ المَكان الحُزنَ، فَالمَولودَة جاءَت ضَعيفَة البُنيَة وَخَطَر المَوت يَقتَرِبُ مِنها.
غادَرَت السّيّدَة المُستَشفى عائِدَةً إلى بَيتِها بِرِفقَةِ الحُزنِ والألَمِ...عانَقَها زَوجُها، يُهَوّنُ عَلَيها مَأساتَها، دونَ أن يُشعِرَها بِالألَمِ الّذي يَعتَصِرَ قَلبَهُ، يُحاوِل أن يَنسى ما فَعَلَهُ بِتلكَ الخادِمَة وَكَيفَ لِضَميرِه أن يُغادِرَ وِجدانِهِ عِندَما أنكَرَ وِجودِها في حَياتِهِ...في خِضِمّ تِلكَ المَشاهِدَ العاصِفَة بِرِياحِ الألَمِ وَاليَأس..انتَقَلَت إلى الوَجهِ الآخَر مِن الرّمادِ لِتَهمِسَ لها بِكَلِماتِها الأخيرَة...تِلكَ الكَلِمات المُوجِعَة جَعَلتها تَأخُذ قَراراً لَم يَكُن بِالحُسبانِ.
هاتَفتهُم عَلى حينَ غُرّة تَدعوهُم لِلقُدومِ فَوراً لِلمُستَشفى...وَصَلوا إلى غُرفَةِ الأمَلِ، لِيَجِدوا ذلِكَ النّورَ الّذي أضاءَ كُلّ أرجاءَ الغُرفَة، عِندَما رَفَعَت السّيّدَة تِلكَ المَولودَة الّتي عَلّمَتهُم كَيفَ تَكونُ الضّحكَة بِالألوانِ.
نَهَضَ الجَميع لِلمُضي خَلفَ العروسَين يُوَدّعانِهِما...نَظَرَت إليها وِهِيَ تَبتَسِم وَتُتَمتِم قائِلَةً: لَقَد نَفّذتُ وَصِيّتكِ يا صَديقَتي وَضَحّيت لأجلِكِ بِكُلّ ما أوتِيتُ مِن حُبّ لَكِ وَلابنَتكِ وَجَعَلتُها تَعيش في كَنَفِ أبيها وَزِوجَتَهُ في رَفاهِ، دونَ أن يَعرِفا أنّني استَبدَلتُها بِابنَتِهِما المَيتة في تِلكَ الّليلَة الحاسِمَة.
بقلمي/أكثم جهاد
No comments:
Post a Comment