ليست قصة قصيرة
بل هي أكثر من رواية سطرها الوجود وزرعها الخالق غريزة في قلب البشر...
وإن قلَّت كلماتها لكن في معانيها أثَرت وأثَّرت بقلب بكل محب لوطنه.
..(وطن التضحية، وطائر الحجل)..
يسأل بعضهم:
لماذا رمز صفحتك طائر الحجل؟
قد يتعجب البعض الكتابة في موضوع بسيط كهذا؟
ويجده أقل شأناً من التطرق إليه في ظروف القاسية تمر على بلدنا والمنطقة ككل، أما ما قصدته من جعل هذا الطائر رمزاً لصفحتي دون صورتي أقول:
هذا الطائر هو الأشجع؛ والأكثر مقاومة وصبر... من بعض رجال تركوا أوطانهم وهجروا بلدانهم، ليس السبب دمار بيوتهم، أو فقدهم للمأوى أو شظف العيش، أو ظرف فرض عليهم الرحيل قسراً... أقصد أولئك الذين دفعهم الخوف على أموالهم وأرواحهم... فباعوا بيوتهم وأرضيهم وأرزاقهم بأرخص الأثمان يجريون وراء أوهام كاذبة أفقدتهم كرامتهم ووطنهم... فتعرضت حياتهم أو حياة أسرهم أو أحد أفرادها للغرق في أعماق البحار... أوالهلاك بسبب قوارب الموت أو في مجاهل الغابات... أولئك الذين نسمع بمآسيهم كل يوم...
وأقول أيضاً:
بحكم هواية الصيد التي كنت أمارسها أيام الشباب أنا والكثير من الأصدقاء... حيث كنا نركض خلف هذا الطائر... طائرالحجل لقتله واصطياده... ومع ذلك كان هذا الطائر يقدم الدرس تلو الآخر في حب الوطن والموطن.
مما يعجز عن فهمه الكثير من البشر الذين يدعون حب الوطن وليس فهمه
أشبّه في البداية ما قاله
امرؤ القيس عندما أوشك على الرحيل إلى خالقه:
وإن اختلف السبب والمسبب والمكان والزمان:
أجارتنا إن المزارقريب، وأني مقيم ما أقام عسيب (وعسيب جبل طبعاً لا يتزحزح)
كنا نجد مجموعات هذا الطائر في أماكن محددة حول القرى أو في السهول الواسعة... نصطاد منها ما استطعنا ببنادق الصيد.
وعندما نعود في الأسبوع التالي إلى المكان نفسه للصيد مرة أخرى... نجد أن من نجا منهم عاد إلى المكان نفسه! وحتى من كان مصاباً أو جريحاً... تحامل على نفسه ليقضي في المكان نفسه... ثم تتكرر المأساة لهذا الطائر كل مرة، وفي النهاية لا يبقى من أفراده إلا القليل... القليل، لكنه يعود إلى مكانه في نهاية كل يوم متجاهلاً ما فقد من أعداده بعد أن يتأكد من أن قاتليه غادروا المكان وحل الأمان، عندها يطلق نغمات تفاهم تتردد بين أفراده... فيعود من بقي منهم حياً إلى المكان الذي فر منه... وفي العام التالي أوالأعوام القادمة... يتزاوج ويقيم في محيط المكان نفسه الذي لا تتجاوز مساحته مساحة ملعب كرة القدم وربما أقل أو أكثر... لذلك نفهم من هذا أن طائر الحجل لا يبيع وطنه ولا يبدله مهما كلفه من تضحيات.
يسأل بعض الأصدقاء متعجبين من استمراري بعدم تعديل الصورة... فيقولون:
إن كنت تحب الطيور لماذا لا تجعل من الصقر أو النسر شعار حسابك هنا فأقول:
_ إن موطن هؤلاء الكواسر واسع جداً وحياتهم أثمن من وطنهم... ولا يبدو أنه مقدس لهم... ويمكنهم تبديله بما يؤمن سلامتهم، أما طائر الحجل، فموطنه أغلى من حياته... يعيش ويموت ويُقتل فيه وعسى أن يتعض من هو بحاجة لوعض.
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
وطني ولو شغلت بالخلد عنه لشاغلتني إليه بالخلد نفسي
لقد جعل الشاعر حياة الخلد عنده أرخص من بعده عن وطنه... وهنا أحيي كل من كان وطنه رأسماله وما تبقى عنده وسيلة للحياة الفانية.
جهاد مقلد/ سوريا
No comments:
Post a Comment