Tuesday, March 24, 2020

دموع باردة ... بقلم الكاتب المبدع الأستاذ / مجيد زبيدي

قصة قصيرة

دموعٌ باردةٌ

انتظرحتى منتصف الليل...عمَّ الهدوء ...تسوَّر الحائط َالطيني ...تسلّلَ قرب بابِ الحجرةِ الطينية الوحيدة نصفِ المفتوح...جال بنظره، بفضل ضوء المصباح النفطي الصغير ،رآهما  نائمين على سرير من سعف النخيل...زمَّ شفتيه ...إذن حان وقت تسوية الحساب. وجدهما أخيرا منذ اختفائهما قبل أربعة أعوام. لقد أقعد العارُ والدَها العجوز في داره، وصارلا يبرحها مثلما كان يقضي سحابةَ نهاره في مقهى قريتهم . هو ترك دكانته بعهدة شقيقه الصغير،  ومضى يتنقل بين المدن البعيدة، و النواحي والقرى ، يتقصى أثرهما لشهر طويلة... هاهو أخيرا يهتدى إلى مكانهما في هذه القرية النائية، وبهذا الدار الطيني الصغير. إذ رأى اليوم بالصدفة (دهش)يحمل دجاجتين ليبيعهما في سوق القرية. ظل يتبعه من بعيد حتى عودته إلى مكان سكنه؛لينتقم منهما معا... هاهما الآن تحت نظره غارقان بنومهما. لم يرغب بإيقاظهما قبل الاقتصاص منهما معا، بل صوَّب مسدسه إلى رأسيهما ...
فجأة علا صوت أحد الصغيرين الراقدين فوق بساط على الأرض...نزلتْ إليه بتثاقل. هدهدته...بكاؤه لم ينقطع،حتى القمته ثّديها ...همّت بالعودة إلى سريرها.تململ الطفل الثاني ، سوت عليه غطاءه، وانطرحتْ على فراشها...بدت  هزيلة، متعبة. عض ّعلى شفته بقوة. كانت أعزّ شقيقاته،  حقده عليها الآن لا حد له، لما سببته لهم من عار، بهروبها معه ...اعتمل حقده وغضبه أكثر وهو يراها الآن جنب جارهم  الذي أختارت معه هذه المعيشة البئيسة ...
في لحظة غضب عارم، دوَّتْ من مسدسه طلقتان باتجاه رأسيهما ...
منظر قتلهما في فراشهما، أزاح عن صدره جبلا من الهم...لكن صراخ الطفلين في هدأة الليل البهيم، وخز ضميره بقوة...ترى من  سيكون لهما بعد موت أبويهما في هذه الغربة؟
من سيتكفل معيشتهما؟من.؟..من؟
شعر بألم يعتصر قلبه،  حين تذكر أنه خالهما شاءأم أبى...في لحظة الألم هذه، دار  في رأسه شريط تفانيها في خدمته أيام عزوبته، وكيف كانت تستقبله بدموع الفرح، حين يعود بإجازته أيام خدمته العسكرية الطويلة... وكيف كانت تصنع له ( الكليجة ) ليأخذها معه عند عودته لوحدته، وحتى بعد زواجه، كم خدمت أطفاله الصغار...لهذا كان يعزّها،ويحترمها كثيرا.
 مرّ أمام عينيه منظر توسلات نظراتها، حين رفضوا كلَّ من تقدم لها،  وآخرهم (دهش) ابن جارهم البستاني الفقير...ألم تفصح له عن رغبتها به عبر زوجته؟. .لكنه أصرّ ووالده على الرفض...تسآءل مع نفسه:
ترى من كان ينتظرانه ليتقدم لها أفضل ممن تقدّم ؟ لاأحد بكل تأكيد .كانا هما السبب في كل ما جرى.
ضرب رأسه بقوة بحافة الحائط الطيني.
آه ...انتبه...
هي لحظة أغفاءة إذن!.
ما زال مسدسه بيده باردا.
 داهمه شعور غريب،  وشيء يسري كالماء البارد في جميع مفاصله. في هذه اللحظة بدا له غضبه،  وغيظه قد هبطت درجة غليانهما كثيرا... أحس كأنه يبحث عن ذريعة أخرى ...تساءل، ماذا لو تركها الآن لتعيش حياتها كما رغبتْ، بعيدة في غربتها هذه، بعد أن تنوسي أمرُها عند الناس،  ولم يعد أحدٌ يذكرها  حتى من أقربائه؟.
سيريح ضميره على الأقل.
 من دون تردد، وبهدوء،  سحب نظره من المكان.
استدار بسرعة، وتسوَّر الحائط خارجا، ودموعٌ باردةٌ تملأ عينيه.
----------------------
بقلم: مجيد الزبيدي

No comments:

Post a Comment