تجربتي الأولى في كتابة القصة القصيرة من له توجيه فليتفضل مشكورا هي قصة واقعية ولم استطع اقحام الجانب الخيالي أو الجانب البياني
حورية
بنت لم يتعد عمرها خمس سنوات،
استحوذت على حب والديها واهتمامهما .
أبى والدها إلا أن تنهل من العلم في وقت كان أغلب الجزائريين لا يدرسون بسبب عيشهم تحت نير الاستعمار الفرنسي الغاشم وما يعانونه من قهر وارهاب وفقر . فألحقها في سن مبكرة بالكتَّاب لحفظ القرآن ،ثم أدخلها مدرسة حرة تدرِّس باللغة العربية مستغنيا عن المدارس الفرنسية، ورغم أنها كانت بين الفينة والأخرى تغلق ناهيك عن قلة المعلمين واعتقالهم المتواصل لاشتباه المستعمر في نشاطهم النضالي،
في تلك الحقبة من يتمسك بلغته كمن يحضن الجمر براحة يده و الحُرُّ الأبي هو من يتمسك بهويته العربية المسلمة.
استيقظت حورية مبكرة كالعادة غسلت وجهها وتناولت فطورها وأبت إلا أن تعتني هي بنفسها ارتدت ملابسها، وسرّحت شعرها، ثم نظرت إلى المرآة مليا، ونادت أمها مبتسمة ماما أنظري لقد كبرت وسأعتمد على نفسي في كل شيء. نظرت إليها أمها بإعجاب قائلة ماشاء الله. إبنتي شابة وشاطرة وفائقة الجمال الله يحفظها من كل شر.
قبّلت أمها وذهبت مع صديقتها آمنة،التي تكبرهابسنتين.
مترجلتان كانت المسافة بعيدة بالنسبة لسنهما لكنها لم تكن تتطلب وسائل نقل نظرا لتموقع المدرسة في قلب المدينة حيث الأزقة ضيقة والطرق ملتوية ومتشعبة.
تبدو حورية أكبر من سنها ،فهي هادئة جدية ذات إرادة تفل الحديد، المسافة لن تثنها عن مرامهاوالذي ساعدها على ذلك مرافقتها لصديقتها آمنة حيث كانتا تتجاذبان أطراف الحديث أو تراجعان معا ماتلقيتاه في دراستهما فتطويان المسافة دون ملل أوكلل.
لما بلغتا ساحة المدينةالعتيقة سمعتا انفجارا مدويا، ففزع الناس و هرعوا يركضون في عشوائية ونتيجة التزاحم والتدافع تعثرت الأقدام ببعضها وسقط المتدافعون فوق بعضهم البعض، ولم تدر البنتان إلا وهما تفترشان الأرض وفوقهما رجال ونساء كلهم منبطحون على وجوههم. لم تبك أوتصرخ أوتتألم،بل تحملت ما ألمّ بها بصبرورباطة جأش و لسان حالها يتساءل ما الذي حدث ؟!
وبينما هي في دهشتها وحيرتها إذ انتبه رجل إليهما فتقدم لمساعدتهما وكانتا في حالة يرثى لها حيث صادف وأن تساقطت الأمطارقبل ساعة فاتسخت ثيابهما بالأوحال.
كل المحلات مغلقة وأبواب المنازل كذلك ،و الناس في هرج ومرج يبحثون في هلع عن أي مخبأ يتوارون فيه خوفا من هجوم العساكر عليهم إما لقتلهم أو لأخذهم إلى المعتقلات أين يتم تعذيبهم والتنكيل بهم... إلا ذلك الرجل الطيب الشهم الذي قام بإسعافهما ولم يتخل عنهما، بل بحث عن أقرب منزل دق بابه ...فتحت له امرأة بحذر ولما اطمأنت إليهم استقبلتهم بطيبة قلب فعهد بالبنتين إليها لكي تعتني بهما وانصرف .
أدخلتهما إلى منزلها القديم تركي الطراز،حيث
يتوسط الدارصحن كبير به حنفية نظفت المرأة ثيابهما وجواربهما وسقتهما الماء وأعطتهما الحلوى، وهدأت من روعهما.
انتظرت حتى هدأت حركة المهرولين، واستتب الأمن. فتحت لهما الباب وأخلت سبيلهما. لما قاربتا منتصف الطريق وصلت آمنة إلى مدرستها،ثم أكملت حورية طريقها لأن مدرستها لا زالت تبعد عن الأخرى ما ينيف عن مائة متر، في منعطف صغير ،وما إن وصلت إلى ساحةكانت تعج بالباعة، والمشترين ( سوق شعبي) حتى انفجر المكان بدوي اخترق سمع الناس واهتز له المكان.
ذلك السوق كان متاخما لحي تقطن فيه شرذمة من اليهود كانواعونا للمستعمر في القتل والإجرام، وإذكاء نار الفتنة.
بعد الدوام انتظرت آمنة صديقتها فلم تأت.
ذهبت إلى المدرسة لتسأل عنها فلم يجبها الا الدمار، وبقايا دخان من احتراق المبيعات، وأبواب المتاجر وسيول من الدماءالمتخثرة على الأرض، وقد تعفرت بالتراب والرماد كان المنظر مروّعا، والمكان كئيبا وموحشا خال إلا من بعض المارة .
ذهبت إلى المنزل ممتقعة وفرائسها ترتعد وفي نفسها هاجس مفزع ماإن وصلت حتى بلغها خبرنعي صديقتها،
استشهدت حورية نتيجة انفجارقذيفة بالقرب منها.
أم هبة سحر اليراع
No comments:
Post a Comment