Saturday, March 21, 2020

رماد السنين ... بقلم الكاتب المبدع الأستاذ / مجيد زبيدي

قصة قصيرة
~~~~~~

رماد السنين
 
                       تمهيد

بمصباحِ الشهادةِ،والوظيفةِ ظَلّتْ تبحثُ طويلاً عن نصيبها بين إشراقةِالوجوهِ،ومحاقِها.
لكنّها قبلَ أن تتقاذَفها أمواجُ العنوسةِ؛رَكَنَتْ رغبتَها، قررتْ أن تطفيءَ نورَ عينِها الثانية.

*     *    *
 رأيتها تنسل من بين السابلة وتقف أمامي فجأة ، امرأة لم يسبق لي أن قابلتها من قبل زرعت نظرها بوجهي عابسة.
بادرتني بقولها:
 ألست أنت؟
قلت مستغربا:
 من تقصدين؟
نزعت نظارتها السوداء.
قالت:
 أنا آخر ضحاياك.
قلت باستغراب ودهشة :
 أحضرتك تعين بما تتفوهين به؟
قالت :
نعم،ألست أنت الذي قتلتني بالأمس؟
قلت متعجبا:
 أنا قتلتك؟!
قالت مبتسمة بخبث:
 نعم ،هل نسيت؟!.
قلت:
 ولكنني ...
اسكتتني بإشارة  من يدها
قالت:
ربما أنت لا تعرفني، ولكنني أعرفك جيدا...أنت واحد من أولئك الذين يرمون خيباتهم على كواهل الآخرين ؛ليضحكوا من نهاياتهم المأساوية التي يرسمونها لهم بكل غباء.
قلت وقد ازداد استغرابي ودهشتي:
من فضلك من أنت...وماذا تريدين مني؟
قالت:
اصبر لحظات واخبرك من أنا...فقط اسمع مني لتتعلم درسا مجانياربما يفيدك مستقبلا وأنت  (رسمت إشارة بيدها تعني أنت قريب من القبر) .
 لقدتناسيتم يا معاشرالكتاب  أن كل شيء في هذه الدنيا قد تغير ، حاول بعضكم إلباس الجيل الجديد لبوس قهركم وخيباتكم وإراداتكم الواهنة.
قلت:وما شأني أنا بهذا الهراء؟!.
ارجوك إفسحي لي الطريق لأذهب .
أوقفتني بفتح ذراعيها.
قالت بكل هدوء :
 مهلا سأريح حيرتك... أنا بطلة قصتك الأخيرة التي تركتها تتدلى بحبل يأسها وخيبتها أيها القاتل.
(وجدت يدي تمسح جبهتي المتغضنة).
قلت بسخرية:
هل أنت مجنونة؟
قالت:
 اخبرني لم ترسخ قناعتك الخاصة، وأفكارك  في الحياة وتريد أن لا يحيد عنها الآخرون؟
قلت :
اختصري من فضلك ...اخبريني بما تريدينه.
قالت:
 حسنا...لقد جعلتني أعيش دوامة من الخيبة القاتلة وأنا أبحث مثل الأخريات عن زوج المستقبل .
قلت مبتسما وكأنني تذكرت توا:
ها!!...أنت لم تكوني جميلة مثل صديقاتك الأخريات فقط .
قالت:
 لكنني عوضت ما ينقصني... نلت  الشهادة العليا.
قلت :
ولو...كان ينقصك  ال....
أسكتتني بإشارة من يدها.
قالت:
 نعم ...كانت عيني (أشارت بأصبعها إلى عينها المظلمة).
قلت كمن انتصر:
ولهذا...
قالت بسرعة:
ولهذا جعلتني أفقد الأخرى.
قلت:
 أليس هذا مبررا كافيا لخيبتك، ولانتحارك؟
ضحكت بقوة وقالت:
 ألم أقل لك أنك وأمثالك تمثلون  ماضيا بغيضا تطوق خيباتكم أعناق الآخرين؟ألم أخبرك أن كل شيء قد تغير في هذه الدنيا وبقيتم أنتم على حالكم تتخبطون بأفكاركم القديمة التي تأبون مغادرتها ؟.
قلت:
 ولكنني إنسان مثقف ، متحضر ،وأحمل رسالتي الإنسانية لكل الناس ،من خلال مؤلفاتي القصصية المعروفة، بعقل واع يدرك جيدا المعنى الحقيقي للحياة.
قالت:
آسفة إن قلت لحضرتك أنك مازلت  بدويا و تحن في عقلك الباطن إلى الصحراء والواحة من حيث لا تعلم.
ندت مني ضحكة سخرية .لم تعبأ بها وواصلت كلامها:
ياسيدي أنا الذي جعلتني أنتظر  مثل الأخريات فارس أحلامي طويلا بعد أن نلت  شهادة العليا ، لكنك جعلت اليأس يتملكني بسرعة و أفقأ عيني الأخرى بمجرد شعوري أن ليل العنوسة  يكاد يغمر ظلامه حياتي.
[تذكرت حالا قصتي القصيرة جدا ]
لقد قتلتني عامدا متعمدا ،الآن جاء دوري لأنتقم.
-كيف ؟!!
سحبت نفسا طويلا ،قالت مبتسمة بخبث:
ابنتك ميادة طالبة الدكتوراه أنا أستاذتها في الجامعة، أرجوك اخبرها إن توافق على الزواج من محمود....لقد رفضته حين فاتحها بذلك.
قلت:
 هذا شأنها  وهي من تحدد مسار حياتها وقناعتها..ألست أنت معي في هذا أيتها المتحضرة ،صاحبة الشهادة العليا؟
قالت:
رفضته وهو زميلها، وينتظر مثلها شهادة الدكتوراه لمجرد اكتشافها أنه بعين واحدة.
قلت بضجر : وما شأني أنا بذلك؟!
أرجوك دعيني أذهب فقد تأخرت.
قالت بخبث:
 لكنك أيها البدوي لم تجرؤ أن تمسك قلمك وتكتب قصة ابنتك ...
قلت بضجر شديد وأنا أحاول الإفلات من سجني معها:
 سيدتي أرجوك بعد كل هذا الهراء الممل، أفسحي لي  الطريق لأذهب.
قالت :
آسفة جدا...امنحني لحظة واحدة من فضلك واذهب راشدا حيث شئت...الأمر الذي ذكرته لحضرتك لا يهمني برغم أن الطالب هو ابني وبسببه  ربماسأختلق المشاكل لعزيزتك.
قلت متأففا:
 إذن أنت البدوية وليس غيرك لانك تحملين داخل نفسك الشريرة روح الثأر ....والآن هل يمكنني الذهاب؟
قالت بابتسامة ماكرة:
نعم... نعم...بكل تأكيد فقد أفرغت ما في جعبتي ،لكنني أود أن أحتفظ بذكرى منك أيها القاص الكبير؛أهدني قلمك من فضلك.
على عجل ناولتها قلمي الرخيص واندفعت مسرعا بين أفواج السابلة وكأنني أخرجت توا من زنزانة ضيقة.
*     *    *
في تلك الليلة فززت  مرعوبا من رؤية حلم غريب، بل هو كابوس ثقيل زلزل كياني ؛ فقد رأيت المرأة الغريبة تولع  النار في مكتبتي الغالية،وحين حاولت منعها غرزت قلمي بعيني.

*     *    *
في الصباح...
هالني أن أجد ألسنة النار  التي شبت في مكتبتي بسبب تماس كهربائي قد نالت جانبا كبيرا  منها،والذي يضم  مجموعاتي القصصية العشر،  وجميع  مسودات قصصي التي لم أنجزها بعد ،ولم تتركها إلا رمادا باردا.

بقلم: مجيد الزبيدي/ العراق

No comments:

Post a Comment