Thursday, October 31, 2019

الحذاء المثقوب ... بقلم الكاتبة المبدعة الأستاذة / سحر محمود

بسم الله الرحمن الرحيم
قصتي القصيرة في أدب الطفل الفائزة بالمركز الثاني.
الحذاء المثقوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خرجت صفاء من المنزل وهى في غاية الحنق، صفقت الباب وراءها وأخذت تحدق في المنزل، ثم هرولت وهي تحدث نفسها وتقول: لماذا أعيش في هذا المنزل القديم الذي يعلوه السواد؟ ألبس ملابس تحيكها أمي من بقايا الأقمشة المهملة في مصنع الملابس الذي تعمل فيه، والأن أرغم على الذهاب إلى المدرسة بهذا الحذاء المثقوب الذي قامت أمي برتقة.
-لقد نظرت لي أمي بعيون حزينة ثم نكست رأسها ونظرت طويلا إلى الأرض وقالت: عن قريب سأحصل لك على حذاء آخر.
-"طبعا سيكون مستعملا"
وهى مشغولة في الحديث مع نفسها توقفت فجأة!!
أخ، إنه هذا الثقب اللعين تمزق وخرج إصبعها منه.
ياللهول، ماذا أفعل الآن؟
أخذت صفاء تدخل إصبعها إلى داخل الحذاء بلاجدوى.
قالت في إصرار: لن أذهب إلى المدرسة.
زاد حنقها فأجهشت في البكاء وأخذت تمشي دون أن تدري إلى أين؟
أدركها الإعياء فتوقفت ومسحت وجهها وفتحت عينيها ونظرت حولها، فلم تتعرف على المكان،
ولكن، لفت إنتباهها هذا المنزل الكبير الجميل، الذي يؤدي إلى بابه المحلى بحليات ذهبية، هذا الدرج الرخامي.
هرعت صفاء إلى هذا الدرج وجلست عليه وأخذت تتلمسه، ثم ألقت بحقيبة كتبها بجانبها،
وأطالت التحديق في المنزل، فغلبها النعاس، فإرتمت على الدرج ونامت.
استيقظت على صوت امرأة عجوز، أسرعت في النهوض وقالت وهي تفرك عينيها: أين أنا؟
فتحت عينيها، فإذا بها أمام المنزل.
اصطحبتها العجوز للداخل، وهى مذهولة بما ترى من ثراء وفخامة!
وفي أثناء تفحصها للمنزل، لمحت فتاة عند النافذة تجلس على كرسي مدولب.
اقتربت العجوز بالفتاة التي هى في مثل سنها تقريبا، وقالت: هذه حفيدتي ريم، وأنت: مااسمك؟
-صفاء، تفحصت صفاء ريم وبهرتها ملابسها الجميلة الفاخرة، ولكن نظرها تحجر أمام هذا الحذاء الأحمر الرائع الجمال، ولكن كانت تتعجب من شحوبها وحزن عينيها. وكأنها لم تنتبه
إلى أن ريم مقعدة لقد أخذتها البهرجة.
لاحظت ريم تحديق صفاء بها، لكنها الأخرى كانت تتفحص صفاء، صاحبة الضفائر الذهبية
والوجه المستدير، وملابس المدرسه المستعملة، وحذائها القديم المثقوب وإصبعها الذي يخرج من الثقب.
قالت ريم وهى تحدق بحذاء صفاء: ما أجمله من حذاء!
شعرت صفاء بالخجل وظنت أن ريم تهزأ منها!
فقالت: غريب ماتقولينه وأنت تلبسين حذاء جديد رائع الجمال، هل تهزأين من حزائي المثقوب؟
ردت ريم: بالعكس أنا سعيدة لرؤية حذائك هذا!
إنه مهترئ وهذا دليل على أنك مشيت فيه ولعبت ورقصت.
هذه هى وظيفة الحذء يصاحبك زمنا ثم يهترئ ولا يظل جديداً على الدوام.
ليس مثل أحذيتي التي تظل جديدة، ثم قالت: تعالي معي ياصفاء لأريك شيئا.
أخذت ريم صفاء لحجرتها وأرتها أثوابها الغالية المعلقة والتي لم تلبس، وأحذيتها الكثيرة الجميلة
الجديدة والتي تبقى جديدة.
بهرت صفاء وقالت: عندك كل هذا وحزينة!
قالت ريم: "مافائدة كل هذه الأحذية الجميلة لمقعدة مثلي"
هذه الأحذيه لاأحبها خذيها كلها وأعطني قدمان ترقصان في حذاءٍ بالٍ مثل حذائك أو تمشى على الأرض حافية في مرح يداعبها تراب الأرض.
خذي حياتي هذه إن كانت تعجبك وأعطني حياتك!!
فهذا البيت الكبير بمثابة السجن لروحي الحبيسة فيه، وأتمنى أن تصبح أحذيتي كلها مثل حذائك
القديم المثقوب.
نظرت صفاء إلى اصبعها في الثقب وأخذت تحركه وأخذت تحدث نفسها وتقول: "حقا مافائدة الحذاء دون أن أمشي فيه وماأهميته إن كان جديدا أو مستعملا"،وتذكرت أمها وأقسمت أن تشعرها بالسعادة وتقبل كل ماتأتي لها به برضاء نفس، ونظرت لريم وهى محاطة بالكرسي المدولب، فشعرت بالشفقة عليها.
قالت صفاء: لقد تأخرت لابد أن أمي مشغولة لغيابي.
قالت ريم: هل ستزوريني؟ نعم وسنكون من اللحظة أصدقاء.
عند الباب أعطت جدة ريم صندوق صغير لصفاء وقالت: هذه هدية من ريم لك أرجو أن تأتي لزيارتها، قالت: شكرا، وسوف أتي لزيارة ريم وأتمنى أن تأتي لزيارتي أيضا.
هرعت صفاء إلى خارج المنزل الكبير وهى تتنفس الصعداء، وقد شعرت فجأة باشتياق لمنزلها القديم الصغير الذي يعلوه السواد، لكنها أرادت أن تعرف ماذا يوجد في الصندوق؟
فتحت الصندوق وإذ بداخله حذاء جديد لامع لونه أحمر، أعجبت به ولكن نظرت بحب لحذائها
وأخذت تحرك أصبعها من الثقب وتضحك وأخذت تجري وترقص في حذائها القديم المثقوب، وكأنها لأول مرة تشعر بقدميها، لقد أدركت كنزها.
-----------------------------------------------------
بقلم : سحرحسين محمود.

No comments:

Post a Comment