الجدة
تحملين سنين العمر السبعين كالحة و أنت ذاهبة للغابة، ممسكة بلطتك بقبضة تقاوم الوهن، تكدحين فى قطع فروع جافة، يتورد وجهك مع صعود الشمس لقبة الأفق، ينساب مسك عرفك، يتكسر حاجباك ليقى العينين تساقط الأشعة، يتوهج جبينك المتغصن بخطوط الكفاح، تحملين حطبك على ظهرك فيزداد عودك صلابة، تقهرين بتماسك أعصابك أفعى همومك الزحفة للالتفاف حول بقايا عائلتك، ترفعين لرأسها فأسك، تتلاشى الحية مؤجلة لحظة غدرها، تعودين لملعبك تفردين جناحى عطفك على أفراخ فى حجرك، ابتلع غول الثأر أبائهم و ما شبع، وزعت حكمتك على بقية شباب القبيلة الراحلين، غرست فى قلوبهم شجرة الأمل، تعاهدوا أن يحفظوها فى تجوالهم بالبلاد، هجرت بتفرقهم دار عزك، جاورت القبور فى صحراء بعيدة، تنشدين السلامة بين أناس لم تطمس الكراهية على أفئدتهم، بنيت خياما للثكالى، و فتحت لهم أبواب الرزق بطهيك للفطير الشهى، لتطعمى به أهل المدينة، صرت تقودين السيارة المكتهلة لزبائنك الذين يسيل لعابهم لمقدمك السوق، تنفضين التراب عن جلبابك قبل الظهيرة، تشترين بمكسبك دقيقا و سمنا، خبزا تفتينه فى لبن شياه ترعينها، تسدين به جوع الأسود الرابضة و تشاركين النساء فى صناعة الحصير و تستقبلين بالغناء احفادك العائدين من المدارس، تغزلين لهم من صوف الصبر ثيابا زاهية يتزينون بها فى يوم حصاد منجلك لحلفاء سطت على بستان القبيلة .
طارق الصاوى خلف
No comments:
Post a Comment