حين تدرك
بقلم: المنجي حسين بنخليفة – تونس -
حين تدرك وأنت في آخر العمر أنّك كنت حرفا من الحروف المهملة، أو كنت متن نص انمحتْ كلماته، ارفع صوت مدادك علّها العين التي اعتادت على سجن الصمت تسمع همس أنينك.
حين تدرك وأنت في آخر العمر أنّك كنت غيمة عقيما رمتها الرياح في صحارى الجفاف، حاول اعتصار بقايا حطام روحك، فالرمال العطشى تنام وهي لا تدري في حضن ماء مستتر، لعلّ بذورا أضناها الانتظار تربو إذا عاد من بعد طول الغياب الأمل.
حين تدرك وأنت في آخر العمر أنّك كنت تبتهل للسماء من ضيق فتحة جبّة شيخك، أنّك كنت تتطهّر بماء عصارة أفكاره العطنة، مزّق الجبّة التي حجبت عنك رحابة الكون، سترى النور يشعّ حولك في كلّ مكان، ستهترئ حبال الظلام التي خنقت عقلك.
حين تدرك من بعد طول رحلة العمر أنّه مازال في جراب الروح بقايا إنسان، وأنّ بذورا تحملها من عالم الذرّ تنبئك ليس في الكون سواك، البذرة وإن صغرت تعانق بأغصانها عنان السماء، الهلال من بعد عناء المسير يكتمل بدرا، يزيل الظلام الباسط ذراعيه بوصيد الليالي، الفكرة وإن اضمحلت في زحمة الأفكار، ستصنع من بقايانا ولو في آخر العمر إنسانا.
فيا أيّها الغافل لا تحسب عمرك بالسنين...
No comments:
Post a Comment