Monday, July 22, 2019

أولاد الحكيم ... بقلم الكاتبة المبدعة الأستاذة / غفران سليمان

قصة للأطفال الأذكياء
أولاد الحكيم
بعد تسع من  سنوات  الانتظار ، أنجبت زوجة حكيم البلاد ثلاتة أبناء من الذكور بثلاث سنوات متتالية، واثنين منهما  ولدا في السادس من  أيار، والأخير في السادس من تشرين   وكأن البلد يحتفي بميلادهم مع شهداءه وعندما بدأت الحرب كانوا يجلسون هانئين على مقاعد المدرجات في الجامعات السورية، وتحديدا في ثلاث اختصاصات هندسية، تكنوجيا المعلومات للكبير، وقسم الاتصالات للتالي، وتقانة طبية للأخير ةكان في سنته الاولى عندما اندلعت نيران الحرب. اتصفوا  ثلاثتهم بالجمال ، والذكاء ،بالقوة،  والصبر،  والتعلم. وانشغلوا مع والدهم كما انشغل  باقي الناس بالحرب والقتال. إلا أن الحكيم وجه بوصلته باتجاهات معاكسة للحرب،  وانصب اهتمامه وأبناءه بالحصول على أحدث التقنيات التكنولوجية الحديثة، ولم يؤجل فكرته يوما واحدا...
في ليلة اجتاحت البلاد نوبات من جنون التفجيرات وانتشرت رائحة الدماء. استضاف الحكيم رجلاً غريبا كان قد أرسل في طلبه..تهكم الضيف من  الحرب  الدائرة و من اساليب التعليم التي تفرض على  أولاد الحكيم، وأخبرهم أنهم لم يستحوذوا من العلوم، ومن الاجهزة  إلا  المنتهية الصلاحية .وأن المناهج التي يدرسونها قديمة جدا وقد ألغيت ببمجملها من كتب الطلبة في الغرب، والآن يعتمد بشكل كلي على التدريب العملي والمناهج البحثية في جامعاتهم...وان هذه المناهج المتبعة  تؤرق مضاجع الطلبة عندكم، وضخمة جدا  قياسا بالدول المتقدمة في كافة  المجالات... بلع الحكيم الاهانات المتكررة بوصف الجميع بالجهل  وانتظر حتى غادر الضيف.ا جتمع بأولاده، وبأوامر سلطانية موروثة أصدر الحكيم الأوامر وأقسم أن  لا عودة عنها وتقتضي :بأنهم لن يرتاحوا ولن تستقر أحوالهم إلا بعد الحصول على كل المعلومات والوسائل والطرق المؤدية إلى كافة العلوم العصرية. أنه سيبذل في سبيل ذلك كل ممتلكاته وكانت كثيرة.... فقام بارسالهم إلى كل بقاع الأرض لتحقيق مطالبه. حجز للكبير على أول طائرة مغادرة إلى بلاد العلم والصناعات المتقدمة، استحضر له تذكرة طائرة ومقعدا في جامعة طوكيو اليابانية...
 والثاني حجز له مقعدا في السويد ولكنه اشترط عليه السفر في البحر على السفينة الزرقاء في آخر رحلة لها بعد  اعلان  الدول الغربية حصارها الاقتصادي على سورية ظلما بها وبشعبها. .. وعلى الثالث وهو صغيرهم ومن يهوى المغامرات ، لكنه ما زال يرضع من أخيه الثاني  دلال الحياة، و الذي يصاب بالدوار لهذا اختار لنفسه السفر إلى روسيا برا وقطع وعدا بتحمل مشقة الخوض في النقل البري مع  بعض رفاق حصلوا على منح دراسية في روسيا وفرح الحكيم بدعوته  من يرتضي من صحبة طيبة لمرافقته، وعلى نفقته الخاصة...
اضطرب الحكيم لسفرهم واحتجت نفسه عليه إلا أنه أقنعها بامكانية التوصل إلى حل دائم للحرب التي أقصي نفسه منذ البداية عنها، بعد أن أيقن أن نارهها أقوى من حكمته...
أما الذي سلك طريق البر  فقد عاد ملفوفا بالأبيض قبل أن يغادر الحدود، قتل  برصاص طائش لا ينتمي إلى الوطن..
والثاني احتجز القراصنة سفينته بحجة أنها تخالف القوانين الدولية، والعقوبات المفروضة..
أما الكبير فقد هبطت الطائرة بعد ساعات من اقلاعها من مطار بلد مجاور هبطت  في مطار يسنى باسم لم يلفظه يوما إلا مسبوقا بكلمة محتل او عدو  . قالوا له  أن سبب الهبوط المفاحيء  عطل فني...بقدر ما أحب تربة هذا البلد بقدر الغيظ الذي كان يغلي في أعماقه كالحساء من ركاب الطائرة العرب الذين هللوا نحن في اسرائيل، ولم يقل احد منهم نحن في فلسطين المحتلة ..   سرق لحظة ثمينة وقبل شجرة زيتون تبدو قديمة بعمر القضية الفلسطينية  وقال في نفسه لا بد أحد أجدادي الفلسطينيين زرعها.ودعها كحبيبة التقاها صدفة...
غادرت طائرته إلى وجهتها اليابان ...بحث الشاب المتعلم والمتقن لعدة لغات عمن يعينه فيما يبغي...في أول اجتماع له مع مهندسين، و لم يكن قد حصل على شهادة تخرجه،  قرر متابعتها عندما يستقر إذا أمكنه ذلك..
،سأله أحد الحضور في اول مقابلة  له:  أأنت من تلك البلاد الغنية بالنفط والمال وأهلها جوعى وبعيدين كل البعد عن مواكبة الانسانية
أو من البلاد التي يتقاتل أهلها ولا يعرفون السبل لوقف اقتتالهم... حتما ابن البلاد التي تلعب السياسة  بأبنائها لعبة الغميضة يمموت ويتوه الأعمى والبصير فيها...
.قالت إحدى الحاضرات يحزنني منظر المدن الجميلة التي بنيتموها بعرقكم وجوعكم وقهر أسلافكم ، وهدمت اليوم عليكم، هل صحيح تبغي العلوم...!
استمع إليهم جميعا ثم وقف كأنه على أحد المنابر العربية وهو يعلم أن هذه الوقفة تصطاد السمع والادراك البشري: ابتدأ بوصف ما وصلت إليه بلدانهم من الرقي بفضل العلم ، وشتمَ طواغيت الأرض التي انتهكت حقوق الانسان من فرعون إلى نيرون والتي مازالت تظهر في كل زمان على الارض كل الارض، ولكنها تستمتع باللهو في بلداننا العربية والشرق أوسطية ...وأخبرهم برغبة والده بولادة مجتمعات علمية في شرقنا تعمل مع الانسانية جمعاؤ  ولا تبق عالة عليها، وأجاد وأقنع بعض من الحاضرين...
قال له مدير في آخر المقابلة  أنه لا يستطيع امتحان العرب كلهم ولكنه سيمتحن انسانيته ومقدرته ، و تمكنه من المتابعة
والنجاح..
إذا نجحت سأقدمك للرئيس الجامعة ومن ثم لرئيس البلاد  ليقررا في متابعتك وقبول طلباتك الممولة  على كل حال وعلى حسابك ...
سوف تعمل كل ما يطلب منك أو ترحل إلى بلدك كما جئت..
نقلوه إلى جزيرة تشبه الأرياف وعمل فيها بين الفلاحين، ثم انتقل إلى جزيرة وعمل في المطاعم والصناعات الغذائية، وثم ارغموه السفر إلى جزيرة يدعوها السكان المحليين جزيرة المو هناك حفر في الحديد، وعمل في تنظيف  الفنادق والصناعات السياحية... امتحنوا أمانته عدة مرات، وكان يتم ذلك بذكاء وحيل مفبركة  كأن يترك بعض الممتلكات والحواسب المتقدمة والطابعات الصغيرة الحجم،  والهواتف الذكية في مكاتب مهملة ولا موظفين فيها وكل يوم ينظفها دون ان يعمل عليها احد ، إلا أن شيئا منها لم يجذبه ولم تتحرك الثقافة الجديدة المتبعة في بلده ( كل شيء تستطيع الحصول عليه  كالموروث عن والدك)...وقال مراراً في نفسه لو أخبرت أصدقائي بتفاصيل الإغراءات التي صادفتها لسخروا مني، وقالوا: يمكنك العمل عليها او  تعطيل كاميرات المراقبة أثناء تنظيفها،  كان يمكنك  أن تستحوذ على اشباع معدتك على الأقل ... فقد امتحنوا صبره في كل شيء..
نجح بنظرهم في كل امتحان عملي،  وعلمي فقد كان يقضي ساعات الليل في المعاهد والجامعات ونهاره بالأعمال الموكلة إليه... وظن أن طريق عودته قَصُرَ عندما أخذ شهادته بدرجة امتياز في علوم الحاسوب ...إلا أنهم عرضوا عليه البقاء...
أما الأخ الصغير المحتجز مع السفينة بعدة حجج واهية  ، فقد كانت أمواله  وممتلكاته القيمة  كافية لاطلاق سراحه وايصاله إلى وجهته في السويد بلاد النظافة، والأمان، والحقوق كما كان يعتقد
  ّ الشركات  الملاحية التي تعمل تلك  السفينة ضمن دائرتها  كان لها اعتبارات سياسية مجنونة...وصحيح أن الدواء والسلاح والبشر هم السلع الأغلى إلا أن السياسة تبقى القوة العظمى التي تتحكم بكل شيء، فقد جاءت الأوامر باخلاء سبيله  بسبب انتماءه الفكري كما أكدوا لبعضهم، تمكن من  دخول صفوف الجامعة، بعد أن شفيت جراحه من طلقات نارية أصابته وهو على متن السفينة، من صديق له في الجامعة، لسبب ماركب على نفس السفينة،  هناك  في الجامعة وبدأت رحلته المشوقة ... تعرف جماله واتقانه للغة الانكليزية، وهيئته الموقرة من جذب معلمته الشاب..
ولأن الشدة ضعيفة أمام من يملك العمر،فقد أنقذته من عراك جديد وربما من موت محتم عندما حاول سوري آخر طعنه بسكين كان يحملها بعد نقاش حاد  دار بينهما حول الحق والباطل في الحرب ولأن صاحب الحق قوي فقد تجاهل صاحبه، ولان الغضب كافر استل الشاب الآخر سكين طعام من ندوة قريبة وحاول طعنه، عندما ظهرت  فتاة الشواطي كما كانت تُدعى، وكالجنيات تمكنت من امساك يده في آخر لحظة ...بعد لقاءاتوكنت قد قلت مازال يرضع الدلال فقد وجد فيها حضنا واسع يمكنه الاعتماد عليه... تزوجا في بيتها ،وبعد ثلاث سنوات وبحضور جمهرة من المحامين أخبرته أن والدها ترك إرثاً كبيراً، ومؤسسات علمية منتشرة في بلدان العالم أجمع ، ولكنه اشترط على البنوك والسلطات أن لاتنقل ملكيتها ولا تستحوذ  ابته على أملاكها إلا بعد الانجاب من شاب لا يعرف بقصتها ولم يسمع بثرواتها وها هي تخبره بعد أن رزقت منه بطفلة جميلة أسمياها قمر وهي على علم بمعناه العربي، وكانت جدتها قد أوصت لها  أيضا  بميراث كبير لعنايتها الطويلة بها حيث نسيها الموت قبل أن تغادر تركيا منذ ربع قرن بسبب أمراض كثيرة  حملتها معها...قررا العروسان العودة إلى بلاده حيث الحكيم العجوز بقي منتظرا..
.عاد  الكبير الحاصل على شهادة عليا في الهندسة  إلى عاصمة العلم، بما اكتسب من علوم ولغات، ولكنه صدم بالشرط الوحيد لكي يعطى كل مفاتيح العلوم البحديثة والتطور الذي وصل إليه العلماء في كافة الفروع البحثية والعلمية... عليه أن يجبر السلطات المخلية في بلدهأن تصدر قرارا  بأن يتعلم الجيل الجديد اللغة اليابانية في الصدق والسلام، والتعاون، العمل الجاد بناء الانسان أولا وحفظ المثل المتداول:  ابن الإنسان ليبني لكم هذا الإنسان بلدانا قادرة على الاستمرار ... وغادر عائدا ،وبرغم شوق الوالد الحكيم لرؤية ابنه إلا أنه بقي على عهده بعد أن أخبره ابنه بالشرط .. .جمع  الشاب كل من يتقن هذه اللغة، ومن يرغب جادا بتعلمها،  تمكن بأستليب بسيطة، وتقنيات محدودة وعمل دؤوب، وقد سانده كل من يرى في الحرب خراب وفي العلم محبة، وتمكن من ايصال  أفكار التغيير والبناء  الى أعلى  السلطات وقد ساهمت  قناعة السلطة بمشروعه بالاسراع من تنفيذ مشروعه  ،أعطوه  تفويضا مباشر اً  بعمل كل ما ينجح مشروعه.
ألغى بالتفويض الممنوح له كل الفصول الدراسية لمدة عام والتفرغ فقط لتعلم اللغة المطلوبة... وقبل نهاية العام كان الطلبة  في جميع المراحل الدراسية يتقنون تلك اللغة التي كانت إلى الأمس صعبة،   كما  لم يهمل فريقه الاهتمام بلغة الشعر والحب ، بلغة الآباء  الأخلاق، والاسلام، لغة الايثار، الشكر المحبة،  العربية، خضر نزار، وجبران، حضرت المعلقات ورمال لصحراء، المعري  اعاد إلى رأسه الانتصاب، واستدعى المراقبين والسفراء، وجرت الحوارات والامتحانات ،وبدأ الجميع بالعمل واستقبلوا طلائع العلوم ومنعوا  دخول اية أجهزة كاملة ،وتبنى الجيل الأول تركيبها ثم تلت ذلك مراحل الصناعة، فقد تمكن المتعلمون بعد أقل من عدد سنوات الحرب من بناء المصانع وبدأت ولادة جيل من العلماء وامتلك البلد بذور العلم ونثروه في الجوار أيضا
والحكيم رغم موته يتذكره الصغير، والكبير وسمي باسمه نصف الذكور التي أنجبتها ثورته الذكية لنشر العلم ونسيان الدموع والدماء في مدة قصيرة قياسا بضياع سنوات وسنوات في محاربة الهواء و أعداء الأجداد وتمجيد الغابر من البطولات.... العالم مدعو ليشهد ولادة أحدث المبتكرات في مصانع بلاد الياسمين، لتعود سورية تفرش بالحرير.

No comments:

Post a Comment