Sunday, July 28, 2019

المزار ... بقلم الكاتب المبدع الأستاذ / آحمد الهاشم

المَزار ..... مقطع من رواية بهذا العنوان

استيقظت القبيلة على زورق بدائي فيه جثة رجل يبدو على محياة إنه غير ميت لكنه في الحقيقة ميتاً . رجل  عمره بحدود الخمسين  عاما , مشرق الوجه رغم أن الموت كساه صفرة باهتة , وعيناه نصف مغلقتين , وفمه مصموم وكأنه يعض على شيء .

اختلفت الأراء كثيرا لكن أحدا لا يعرف كيف وصل القارب والرجل بداخله شابكا يدية المعروقتين على صدره والأكثر غرابة أن إتجاه القارب كان عكس التيار.

قال شيخ القبيلة : إبحثوا في الغابة ربما هناك من أوصله إلى  هنا  .

أنتشر الجميع في كل مكان وظلوا يعودون بتقطع مخبرين زعيم القبيلة أن لا شيء يدل على وجود بشر في الغابة .

بعد ذلك جاء كبير الحرس وأخبر الزعيم :

- بحثنا في كل مكان لم نجد أحدا بل لم نرَ آثار أقدام في أي مكان .

تلفت زعيم القبيلة كأنه يريد رأيا من الحاضرين

قال شيخ كبير السن يوصف بأنه  كثير الصمت  قليل الكلام  :

- أنا أعتقد أن الرجل ليس من عالمنا هذا , أنظروا لبشرته وقدميه ويديه , إنه رجل بعثت به السماء إلينا , هل أحد منكم سمع من أجداده مثل هذه الحادثة , الرأي عندي أن نكرم مثواه , كم نحن بحاجة لمزار ورجل مقدس يصبح قبلتنا ومحل شكوانا ؟ . لنبني له مقاما ونقدسه فنحن منذ قرون بحاجة لمزار  يبدو أن الرب  الأعلى بعثه إلينا

قال زعيم القبيلة :

- إنقلوا الجثة في مكان أمين والليلة نناقش الموضوع سوية .

استحسن الجميع الفكرة .

وما هي إلا أياما وكان المزار يشرف على الغابة من فوق التلة العالية  , ولم يعد في مقدور الحيوانات المفترسة مهاجمة القرية فشبح المزار ليلا  يخيفها بينما فسرت  القبيلة ذلك من بركات الرجل , الذي صار أسمه المقدس .

وبسبب كثرة النذور والهدايا  اقترح شيخ القبيلة أن  يكون الرجل كثير الصمت قليل الكلام هو المشرف على المزار .  وهكذا صار للمقام حراس وخدم ومحاسب ولم يعد حكرا على قبيلة  "تمتو"  بل وصل الخبر للقبائل الأخرى كالنار في الهشيم كل ذلك يحسب من بركات المقام .

في الذكرى الإولى لوصول الميت إلى القبيلة إحتفلوا بالمناسبة  ودعوا ضيوفا من القبائل القريبة منهم , لكنهم تفاجؤا بالأعداد التي حضرت . مما إضطرهم لزيادة كمية الطعام  المعد لهم .

ولم تعد زيارات القبائل في الذكرى السنوية بل يحضرون أيام المناسبات والبعض يحضر لقضاء الوقت مما اضطر القبيلة إلى توسيع دائرة المقام وبناء مسقفات للزوار

في أول خطوة قام بها سادن المقام دعوة  زعيم القبيلة ووجوهها لحضور إجتماع موسع لمناقشة أمور مهمة تخص المزار .

قال لهم من بركات المقدس صارت لدينا مبالغ ومصوغات وهدايا من حيوانات كثيرة  اقترح توزيع ذلك على فقراء القبيلة  , وفي الخطوة القادمة بناء بيوت للشيوخ والعجائزالذين لا يملكون دورا  .

استحسن شيخ القبيلة ذلك وقال : أزف لكم البشرى أن زوجتي " تافا " والتي مضى على زواجي منها ثلاث سنوات لم تحمل , البارحة ابلغتني أنها حامل , وقالت نذرت للمقدس عندما يكون حملها ولدا ستوسع المزار وتبني  غرف ومرافق  للزوار الغرباء

وقبل أن ينهي حديثه , قام الرجال يقبلوه والنسوة  ينشدن ويرقصن ....

# الهاشم

No comments:

Post a Comment