Wednesday, November 13, 2019

من أدب الطفل ... بقلم الكاتبة المبدعة الأستاذة / بهية إبراهيم الشاذلي

من أدب الطفل
.••••••••••••••

رَوْعَةُ الحُرِّيَّة
السماء ملبدةٌ بالغيوم والشَّمسُ تختفي رويداً رويداً عَلَى اسْتِحْيَاءٍ... نَظَرْتُ حَوْلِي لَمْ أجد أحدًا منَ البشَر وكَأَنَّ الأرضَ قدِ انْشَقَّتْ وابْتَلعَتْ كلَّ النَّاسِ، وَوَجَدْتَني بَيْنَ قَطيعٍ منَ القِرَدَة تُحيطُ بي من كلِّ جانب... يا إلَهي!.. ما هَذا! أيْنَ أبي، أين أمي، أين إخْوَتي!! قِردان كبيرَان يُمسكَان بي، وَضع أحدُهُما في يَدي قَيْدًا من حَدِيدٍ، ووضع الآخرُ حَبلًا في رقَبَتي وجرَّني خلفَهُ كالبعِير متوجِّهَان بي إلى مكانٍ لا أعرفه، والقردة حولَهُما يُهَمهِمُون وأَنا أصرخ ولكن لا أحدًا يسمعُني، تَمَلَّكَني الخوفُ والرُّعبُ وكادت أضلِعي تختلفُ، وأسمَعُ دقّات قلبي كطبْلٍ يُوقِظُ النّاسَ في ليْلِ الحرائقِ أو السيْلِ الجارفِ في الزَّمنِ الغَابرِ، وفي لحظةٍ لم أرَ شيئًا فقد غَابَ وعْيي وأفَقْتُ على أصْوَاتِ حيَوانَاتٍ وطُيُورٍ مُختلفة... زئيرِ أَسودٍ.. نَهيقِ حَميرٍ.. عُواء ذِئابٍ.. خُوار ثيران.. فحيح حيَّاتٍ .. نَعيق غربان، وهديل حمام... زلزال من الأصواتِ يضربُ أذني كلها في آنٍ واحدٍ. يا إلَهي أينَ أنا ؟!
أنا في غابَة كثيفة العُشْب باسِقَة الأشجار مَلْأَى بمخْتَلَفِ الحَيَوانات...
أقفُ في ساحةٍ أمَامَ مَلِك الحيوانات الذي يجْلسُ عَلى مَكانٍ مُرتَفع والحيوانات كلها عنْد قدَميه، على يمينِهِ نمرٌ قَوي وعلى يسَارِهِ فِيلٌ كبير،
إنه الأسد المُرعب الذي ضحِكَ ضحكةً هزَّتِ الأرض من تحتي وقال: أخيرًا جئتَنَا أيُّها الإنْسان، وضجَّتِ الغابَةُ بضحْكِ الحيوَانات والطيورِ قَائلَةً: لا مرْحبًا بِكَ عندنا، قلتُ وأنا أتلعثَمُ: الحيواناتُ تتكلَّم ! يا إلَهي!
أشَار الأسَدُ وقال: الآن فُتِحَت جلسةُ المُحَاكمة.. قلتُ: يا سيدي الأسد أيُّ محاكمة؟! ماذا فعلتُ؟
قال الأسدُ: أوَّلًا أنا لستُ سيِّدك فأنت إنْسانٌ فضَّلك اللهُ عليْنَا، أنت السيدُ في هذهِ الأرض لكنك ظلمتَ نفسِكَ بمُعامَلتِكَ لنَا، قُمتَ بصيْدِنَا وسلَبْتَ حُريتَنَا ووضعتنا في أقفَاصٍ حديدِيَّة لتتفرجون علينا في كل مدينة بما اسمَيْتمُوه.. حديقة الحيوان وهي في الحقيقة سجن لنا، حرمتنا من غاباتنا وصحارينا وحَرمْتَ الطيُورَ من جَوِّها وفضَائِها بحجة الاسْتِمْتاع برُؤيَتِنا والتعرف علينا، وكان بإمكانك أيها الإنسان أن تَحصُلَ علَى هَذِه المُتْعة من خلال رؤيتنا في المَحْمِيَّات، أو مشاهدة الأجهزة الحديثة كالتِّلفَاز وغيره.. لكن عنَادَك وإصْرَارك على سَلبِ حُرِّيتِنا وسِجْنَنا جَعَلك تَسْتَمرُّ في قرَاراتِك، وهَا أنْتَ أمَامُنَا الآن.. لَنْ نَقْتُلَك ولَكن سَتَكُون عِنْدنا سَجِيناً لتَذُق مَرارَةَ القَهْرِ وسَيْطَرَةَ الآخرين.
قُلت: هَل تَقْبل مِني عَرْضاً أيُّها الملك؟ قال: تَكَلَّم..
قلت: مَنْ سَيبلِّغ رسَالتَكُم هَذِه للنَّاسِ إذَا ظَللْتُ محبُوسًا عندكم؟ أعاهدُكَ أنني إذا عُدتُ سَأُبَلِّغ رسَالَتكُم إلَى كُلِّ البلدَان وسأَعْمَل جَاهِداً بِكُل طَاقَتي ووَسَائلي عَلى تَحْريرِكُم مِن سجُون الحَيَوَانات فِي العَالَمِ فَهَذا حَقُّكُم الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لَكُم.. سَكَتَ الأَسدُ ثُمَّ اسْتَشَارَ النِّمْر وَالفِيل، ووَافَقَ الجَمِيعُ عَلَى عَرْضِ الإنْسَانِ.
قال الأسَدُ: جِئْتَنَا مُقيَّداً والآن اِرْجع مُعَزَّزاً مُكَرَّماً فأنْتَ المُكَرَّمُ مِنَ اللهِ ولَنْ نُهِينَك.. قُلت: الحَمْدُلله الحَمْدُلله الحَمْدُلله شُكراً لَكُم .. فَتَحْتُ عَيْني وأَنَا أُتَمْتِم الحَمْدُ للهِ.. رأيْتُ أُمِّي تُحَدِّق فِي دَهْشَة وسَمعْتُها تُنَاديني طارق.. طارق! مابِك يابني ؟ مابِك ؟! قلتُ: أيْنَ أنا؟!  - أنْتَ مَعِي يا وَلَدي غَفَوْتَ وأنْتَ تُشَاهدُ التِّلفَازَ فَتَركْتُكَ تَسْتمتِعُ بالنَّوْمِ بَعْض الوَقْتِ.

بهية إبراهيم الشاذلي/ مصر

No comments:

Post a Comment