Monday, November 25, 2019

الصمت الناطق ... بقلم الكاتب المبدع الأستاذ / محمد البوركي

الصمت الناطق

" الزموا الصمت ، لا يتحرك منكم أحد ، و من لم ينجز التمارين فسيناله عقاب أليم ، حشرات نتنة حقيرة أنتم ... "

ظلوا واجمين يرتعدون من شدة الخوف و البرد ، فقد كانت أوامره الجافة سياطا نارية تجلدهم كل يوم .

سكون رهيب خيم على القسم ، لا يسمع إلا هزيم الرعد و ارتطام قطرات المطر على السقف القصديري و النوافذ المهشمة .

ارتفع من الصفوف الخلفية  صوت بريء : أستاذ .. أستاذ ..

لم يأبه المدرس للنداء ، بل جابه صاحبه بالجفاء ، لكنه اضطر تحت الإلحاح  إلى التلبية .

تجرأ  التلميذ فكسر الجليد : " أرحنا من هذا العذاب يا غليظ القلب ، أنت أدرى بحالنا و مآلنا ، فمالك تتحالف مع الجوع و الخوف و الصقيع ضدنا ، ابتسم ،  و كن بنا  رحيما يا قدوتنا و سندنا ، كفاك تجهما يا طين ، فلسنا حجرا ... "

وضع الأستاذ سبابته على شفتيه ، فقد توازنه حتى كاد يسقط ، تراجع إلى الوراء ، هوى أرضا و دفن رأسه بين ركبتيه ، ظل على هذه الحال ما يقارب الساعة ، رفع رأسه ثم نهض بصعوبة بالغة ، مسح بعينيه المحمرتين الوجوه البريئة البئيسة ، و اتجه ببطء صوب التلميذ الشجاع ، انكمش التلاميذ في أماكنهم  و توجسوا خيفة من سوء المغبة   .

وجها لوجه ، احتضن المدرس تلميذه بحرارة ، و من فرط اندهاشهم لم يتمالك التلاميذ أنفسهم فصفقوا و رقصوا طربا .

كفت ندف الثلج عن نقر النوافذ ، و انقشعت الغيوم عن شمس دافئة ، أغرت الطيور بالتغريد .

بقلم : محمد البوركي – المغرب .

No comments:

Post a Comment