الصمت الناطق
" الزموا الصمت ، لا يتحرك منكم أحد ، و من لم ينجز التمارين فسيناله عقاب أليم ، حشرات نتنة حقيرة أنتم ... "
ظلوا واجمين يرتعدون من شدة الخوف و البرد ، فقد كانت أوامره الجافة سياطا نارية تجلدهم كل يوم .
سكون رهيب خيم على القسم ، لا يسمع إلا هزيم الرعد و ارتطام قطرات المطر على السقف القصديري و النوافذ المهشمة .
ارتفع من الصفوف الخلفية صوت بريء : أستاذ .. أستاذ ..
لم يأبه المدرس للنداء ، بل جابه صاحبه بالجفاء ، لكنه اضطر تحت الإلحاح إلى التلبية .
تجرأ التلميذ فكسر الجليد : " أرحنا من هذا العذاب يا غليظ القلب ، أنت أدرى بحالنا و مآلنا ، فمالك تتحالف مع الجوع و الخوف و الصقيع ضدنا ، ابتسم ، و كن بنا رحيما يا قدوتنا و سندنا ، كفاك تجهما يا طين ، فلسنا حجرا ... "
وضع الأستاذ سبابته على شفتيه ، فقد توازنه حتى كاد يسقط ، تراجع إلى الوراء ، هوى أرضا و دفن رأسه بين ركبتيه ، ظل على هذه الحال ما يقارب الساعة ، رفع رأسه ثم نهض بصعوبة بالغة ، مسح بعينيه المحمرتين الوجوه البريئة البئيسة ، و اتجه ببطء صوب التلميذ الشجاع ، انكمش التلاميذ في أماكنهم و توجسوا خيفة من سوء المغبة .
وجها لوجه ، احتضن المدرس تلميذه بحرارة ، و من فرط اندهاشهم لم يتمالك التلاميذ أنفسهم فصفقوا و رقصوا طربا .
كفت ندف الثلج عن نقر النوافذ ، و انقشعت الغيوم عن شمس دافئة ، أغرت الطيور بالتغريد .
بقلم : محمد البوركي – المغرب .
No comments:
Post a Comment