(إنَّما العَيشُ مَنزعٌ)
قادني التجوالُ ذاتَ يَومٍ إلى جَنَّةٍ حاليةٍ يداعبُ نسيمُها أوراقَها الوارِفَة وتَتَأوَّبُ الطيرُ شادِيَةً على أفنانها مُيَمِّمَةً عَينًا تومِضُ الشمسُ ضاحِكَةً فوقها من بعيد ، فكانت هذه القصيدة :
هَــــدْهَــــــدَ الكَـــونُ مُـقـلَـتَيـــهِ فَحيِّـي
طَلـعَةَ الفَجْـــرِ يا طُيــورَ الخَميــــــــلِ
والثُــمي الشَّمْـــــسَ بالجَناحَيْــنِ إمَّــــا
دَغــدَغَ النُّــورُ رائِــــقَ السَّـلـسَــبـيــلِ
واصدَحِي في الفَضَــــاءِ غَـيـرَ شَـوَاكٍ
جَوقَةَ الصَّيـــــدِ أو عُبــوسَ الهُـــجولِ
حَيــْـــثُ يَــمَّمْتِ مَنـهَــــــلٌ ومَسَـــاغٌ
ومَـــرَاحٌ وراءَ كُـــــــــــلِّ سَبــيـــــــلِ
دونَـــــكِ الزَّهْــــرَ مُرسِلاتٍ شَذاهــَـــا
دونَــــكِ الخِصْبَ في الرُّبــا والـحُقولِ
إنْ يَــــــكُ اليَـــــــومُ مَــاضِيًـا فَلِمَــاذا
خِيفَةُ اليَــــومِ مِـنْ غَـــــدٍ مُستَحِيـــــلِ
أو يَـــــكُ الغَيْــــــــبُ مُوجعًـا فَعـــلامَ
بَيـــعَــــةُ الأَيـْــنِ لِلـــغَـدِ المَجهُــــولِ
فاملَئي النَّــــفـسَ غِبــطَةً وانْشِراحًـــا
وانْشلِي الذِّهْــــنَ مِنْ عَمَــــاءِ الذُّهولِ
اشْـــدِ هَـــوْنًـا فَلَيسَ يا طَيـــرُ يَــرْوِي
غُلَّــــةَ القَلـــبِ غَيـْــــرُ فَنٍّ جَميـــــلِ
فُكِّــــي بالحَــــوْمِ والغِنَــــــاءِ إسَـارِي
مِقْـــوَلًا بــحَّ في لَهَــــــــأةِ كَلــيـــــــلِ
إنَّمَــــأ العَيــْـــشُ مَـنـْــزعٌ وإسَـارُ الــ
ـــقَلبِ أقْسَـــــى مَطَـــارِحِ التَّكْــــبيـلِ
طَيـــرُ يَــــا طَيْــرُ لا عَدِمتُ خيَــــالًا
مِنــْــكِ في الرَّوْضِ والرُّبــا والسُّهولِ
يـَــــا بَنـَـــاتِ الأثيــــرِ أنتُــــنَّ لَحْــنٌ
ساقَـــهُ الشَّـــوْقُ والهَــــوَى لِلـمُثــولِ
فـــأسِـــفِّــي وحَلِّــــــقي واســـتَـمِـيلي
مُوجَــــعَ النَّــفْــسِ بالأسَى والعَوِيـــلِ
وانْثُــري الـطَّـلَّ عَنْ رِياشِـكِ وارمي
بالجَنَـــاحَيْنِ في الهَـــــــواءِ الحَمُــولِ
واتْبَــــــعِي خَفقَــــةَ الـشِّرَاعِ بِخَــفْــقٍ
مِنْ جَنَــــاحَيـْـكِ فِيـــهِ رَوْحُ العَلــــيلِ
واشرَبـِـي خَمــرَةَ الأصيـــلِ وصُبِّـي
في حَنَـــايا الفُــــؤادِ معنَى الأصيـــلِ
فِيـــــهِ تَنـْـــداحُ دائِـــــرَاتُ الأمانــي
كَــرُؤاهـَــــا علَى الغَديـــرِ الصَّقيـــلِ
مِـلءُ سَمْعي ومَحْجِــري وجَنَــــــانِي
ولَــهَـــــــاتِي ورُوعِــــــيَ المَتْــبـُــولِ
(محمد رشاد محمود)
........................................................................................................
يُقالُ (هَدهَدَ الصَّبِيَّ) : إذا حَرَّكَهُ ليَنام ، وكأنَّما يتكاسَلُ الفجرُ عن أن يُفَتِّحَ عَينَيه .
المَنزِعُ : النُّزوعُ إلى الشيء ، وهو الاشتياق ، ومنزعُ الفرَس : جرَيانُهُ طَلقًا.
الجَوْقَةُ : الجماعَة . الهُجُول : جمعُ (الهَجْل) ، وهوَ المُطمَئِنُّ من الأرض .
يَمَّمتِ : قَصَدتِ . الأَيْنُ : الحِينُ ، ومَصدَر (آنَ يَئِينُ) أي (حانَ) .
هَوْنًا : سَكينَةً . المِقْوَلُ (كَمِنْبَر) : اللِّسانُ . تَندَاحُ : تَعظُمُ وتَستَرسِلُ .
المَحْجِر (كمَجْلِس) : العَينُ . الجَنان : القلبُ والرُّوح .
اللَّهاةُ : اللَّحمَةُ المُشرِفَةُ على الحَلْق في أقصَى سقْف الفَم ، والمقصودُ الفَم .
الرُّوع (بالضَّمِّ) : القَلبُ والذِّهن والعَقل . المَتْبُولُ : ذاِهِبُ العَقْلِ .
No comments:
Post a Comment