اللغز------------------ قصة قصيرة
منكمشا في جلبابه الصوفي القديم ، تحت السقيفة المعهودة ، كان يتابع ما يجري في القرية ، و كنت كلما مررت أمامه ، في غدوي أو رواحي ، يلوح لي بيده المرتعشة ، دون أن ينبس ببنت شفة ، رافعا السبابة و الوسطى ، وقد ارتسمت على محياه المتجعد ابتسامة ماكرة .
هذه المرة ، تجرأت فدنوت منه ، لكي أقبس من مشكاته معنى الإشارة التي أغنت عن العبارة ، فأومأ لي أن أجلس بجواره ، وقبل أن يهمس في أذني ، انتابته موجة سعال حاد ، ثم ما فتئ يتلعثم بكلمات تتطاير مع رذاذ فمه الأدرد :
" اثنان .. اثنان فقط .. هما اللذان نالا حريتهما في هذه القرية التعيسة .. " . ثم تساءل : "من هما ، يا بني ؟ " ، و دون أن ينتظر جوابي ، أردف قائلا : " النساء والأنعام " .
تفحصت مساحة وجهه المتغضن عساني أظفر بتأويل لكلامه ، لكن سرعان ما خاب ظني إذ أشاح بوجهه عني و غرق في صمته المريب .
عاهدت نفسي أن أفض الالتباس . في اليوم الموالي ، فوجئت بشغور مكانه ، سألت عنه أحبابه فأثبتوا موته ليلة البارحة . دفن معه سره ، و غامت بصيرتي . بقلم : محمد البوركي – المغرب
No comments:
Post a Comment