الرؤيا
انتهكت الوقار الذي غشي المجلس ، و تكلمت دون استئذان :
- سيدي ، حدثنا عن النائم يكون ميتا و حين يستيقظ تدب الحياة في أوصاله . .
مسد شيخنا لحيته ، و أزاح طاقيته الرمادية ، و هرش فروة رأسه حتى كاد يدميها ، أغمض عينيه مدة حسبتها دهرا ، ثم فتحهما جاحظتين ابتسم ، و أومأ إلي بيده قائلا :
- لبيك بني ، كلأك الله بعنايته و علمك ما لم تعلم ، إننا عندما نغرق في سباتنا يذوب الدماغ في الجمجمة ويصير سائلا لزجا ، و تفارق الروح أجسامنا تحلق ، أينما شاءت ، حرة طليقة ، بلا قيود و لا حدود.
نظرت إلى من حولي ، و هززت رأسي أحاكي من هم أكبر مني مصدقا قوله .
غلبني النوم و الإعياء ، فوجدت نفسي في حقل شاسع مليء بالأشجار المثمرة و الأعشاب ، يخترقه واد مياهه رقراقة ، و الطيور تزقزق في كل الأرجاء ، وقفت مبهورا بجمال الطبيعة ، لمحت فراشة ذات جناحين شفافين ، ركضت خلفها محاولا الإمساك بها ، عندما فشلت استلقيت على ظهري أتملى زرقة السماء ، رفرفت الفراشة فوقي و هي تسخر مني : " ألا تعرفني أيها المغفل ، أنا روحك ، أنا روحك ، ها .. ها .. ها .. " . ثم اختفت .
وكزني أبي بمرفقه ، و فتحت عيني على الشيخ و هو يمسد لحيته و يحك رأسه مطبق الجفنين .
بقلم : محمد البوركي - المغرب
No comments:
Post a Comment