Wednesday, January 15, 2020

مسيرة حياة ... بقلم الكاتب المبدع الأستاذ / جهاد مقلد

قصة قصيرة
..........مسيرةحياة.......
جلس العروسان ينتظران بلهفة وصول كاتب المحكمة (المأذون)
الذي تأخرعن موعده... نظر العريس بحب  إلى عروسه لكي يخفف من قلقها.
 فاجأته بدموع كالألئ تنساب بهدوء من عينيها، سألها:
_ لمَ تبكين ياحبيبتي؟ لقد تشوه مكياجك بسبب دموعك!
 قام من مكانه ومسح دموعها بمنديله بلطف ، وهو يقول لها بحنان ظاهر:
_ لماذا كل هذا البكاء ياحبيبتي؟ لاتقلقي ربما كانت المواصلات هي السبب في تأخير المأذون! ردت عليه بابتسامة مغتصبة بدت بوضوح على ملامحها الحزينة، ثم تمتمت قائلة:
 _ ليس لهذا السب أبكي... تذكرت والدتي التي كانت تتمنى أن تفرح بي أثناء حياتها، ماتت المسكينة منذ سنوات قبل أن يتحقق حلمها بزواجي! ثم أردفت بلهفة:
يا إلهي لقد تذكرت لقد قالت لي: اطلبي من عريسك أن يفتح هذا المصحف الفضي  المعلق في السلسة التي تلبسينها... افتحيه قبل زواجك... بل كانت تصر علي أن لا أخلعه أبداً مهما كان السبب! وأن لايكتب كتابي قبل أن أعرف مافيه
خذ وافتحه لقد حان وقت تنفيذ وصيتها اليوم
رفعت السلسلةعن صدرها، ثم ناولته المصحف والسلسلة ماتزال معلقة في رقبتها.
قام بمحاولات عديدة لفتحه لكنها في النهاية كانت فاشلة!
أخذت تنبهه بأن المدعوين لايعرفون السبب الذي ينحني أمامها لأجله، فوجهه قريب من صدرها... وأخذت تستعجله ولكن دون أن يستطيع تنفيذ ما أرادا.
بدأت تتهمه بأنه يتعمد الإطالة
أخيراً أنقذ الموقف وصول المأذون.
_ ما اسمك؟
_سعيد
_ ما اسمكِ؟
_ سعيدة
_ الله... الله، سعادة كاملة أدامها الله عليكما
 فتح سجله لتدوين اسميهما.
لاحظ المأذون انشغال العريس بالسلسلة، وفهم الغاية من ذلك.
 ناوله قصاصة أظافر كان يحملها في جيبه.
عالج العريس القفل بها ببعض العنف حتى فُتح،
 وجِد في داخله قصاصة ورق صغيرة مكتوبة بخط صغير، ناولها لعروسه.
ما أن قرأت محتواها، حتى انهارت تماماً وأخذت ترتجف!
تناولها العريس منها ليعلم سبب صدمتها.
انتفض فجأة وناولها للمأذون الذي أغلق بدوره دفتره وهو يقول: _لاحول ولاقوة إلا بالله العظيم ثم أخذ دفتره، وهو يستغفر ربه بصوت عالٍ... وحمل سجله ثم غادر المكان من حيث أتى.
وقفت جدة العريس أوهكذا كان يناديها العريس.
وكانت جالسة بالقرب منهم ويبدو انها أيضاً تفاجأت بما حدث... وكأن شيء ما عاد إلى ذاكرتها...
وقفت مشدوهة في الصالة أمام المدعوين، تسترجع من ذاكرتها ماضٍ بعيدٍ:
في إحدى الليالي العاصفةٍ قرع باب بيتها قرعاً عجولاً.
سمعت رجل يناديها بصوتٍ متألمٍ، هيا... هيا افتحي يا أم أحمد، ثم أخذ يصيح ملهوفاً:
_  أرجوك زوجتي تلد الآن...  خرجت من باب بيتها مسرعة... أردفها خلفه على دابته المستعارة،
وأثناء الطريق... أخذ يشرح لها بالتفصيل ماحدث:
 (وسنروي الحكاية بلهجة الغائب).
صاحت المرأة بزوجها النائم:
 وهي تهزه هزات عنيفة:
_ هيا... هيا، لقد حان وقت ولادتي الآن، قُمّ... قم واحضر الدّاية... بدأت تطلق بصيحات ألم لم تعهدها من قبل... كانت تلك أول ولادة لها.
والساعة قد تجاوزت منتصف الليل!
أخذالزوج يرتدي ثيابه على عجل مستغرباً وقت الولادة المبكرهذا!  لقد أخبرته طبيبة المستوصف في مركز الناحية قبل أمس، بأن أمام ولادة زوجته أكثر من عشرة أيام على الأقل!
أعمته المفاجأة وأخذ يتساءل:
أين يذهب الآن؟ ماذا سيفعل؟ إنه غريب عن المنطقة... هو معلم المدرسة الابتدائية في القرية هذه ولايملك واسطة للنقل، وليس من أهل هذه القرية كما ليس له أحداً فيها... استقر رأيه على أن يطرق باب جارته المقابل لباب بيته، ليستعير منها دابتها لكي يذهب لإحضار القابلة من القرية المجاورة، لكن المشكلة ان جارته وحيدة في منزلها.
زوجها في غربة ولديها أطفال صغار... وصِلَته بها لاتتعدى زياراتها المتبادلة مع زوجته، والليلة حالكة جداً ، وجميع أهل القرية نيام، والعاصفة هوجاء تثير الرعب في القلوب. ويخشى أن يراه أحدهم مصادفة وهو يدق بابها، بماذاسَيُفَسّر وجوده؟ وبماذاسَيُبَرَر موقفه؟
لكن في الأمر ضرورة قصوى.
توكل على الله وقرع الباب بشدة، ويبدو ان القدر  كان في صفه تلك اللحظة على غير العادة كما تمتم بنفسه، ذلك عندماسمع صوت جارته تسأل على الفور عن الطارق:
 أخبرها بأن زوجته فاجأتها الولادة وهي تُطّلق الآن.
ويريد استعارة دابتها للذهاب إلى القرية المجاورة لاستقدام القابلة الوحيدة في المنطقة.
لم تتأخر... أخرجت له الدابة على عجلٍ وقالت له:
_إذهب أنت وأنا قادمة لأساعد زوجتك... سأقدم لها ما أستطيع، وأخدمها ريثما تعود أنت بالقابلة،
وسأودع الله أولادي فهم نائمون  ربما تكون حالة زوجتك ملحة، ولاتستطيع الانتظار، توكل على الله لقدكنت أرافق جدتي وأنا صغيرة فقد كانت تعمل قابلة القرية في ما مضى. ولدي بعض الخبرة بهذا الأمر.
دخلت الجارة... ماذا وجدت؟؟ وجدت المرأة قد أنزلت مولودها الأول... وآخر يحاول الخروج بصعوبة!
وبخروج المولود الثاني حياً... فوا أسفاه!!!  تقاسم التوءمان روح أمهما!!
خرجا إلى الحياة من جسد المسكينة. وخرجت معهما روحها من جسدها!
لم تفقد الجارة شجاعتها حيال ذلك الموقف... أنهت المهمة ولفّت التوءمين جيداً. بعد أن فشلت  محاولاتها في إنعاش المرأة، دون جدوى... قضي الأمر!
أحست ببعض الراحة المشوبة بالألم حين سمعت صوت الزوج يحث القابلة على الأسراع بالدخول. استبقتهم المسكينة إلى باحة الدار بهدوء مصطنع.
 لم تستطع تمالك أعصابها! أرادت أن تتكلم فخرجت كلماتها ولولة... أخبرتهم بما قضى الخالق بما خلق.
قدمت لأبيهم العزاء...
اتفقوا على أن تأخذ الجارة المولودة الأنثى لتعتني بها والقابلةتأخذ المولود الذكر لتعتني به أيضاً، ريثما يجد الرجل زوجة أخرى تعتني بهما.
لكن القدر يبدوا أن له رأياً أخر في الأمر...
خلال أيام لحق الرجل بزوجته! ربما قتله الحزن وضخامة المصيبة.
تربى الأطفال كلٍ منهما في أسرة.
 بدأت الحياة عند الاثنين كل واحد في مكان مختلف عن الآخر
وتسجل كل مولود باسم متبنيه
لا أب لا أم... المعلم دمرت قريته الصغيرة وهاجر منها من بقي على قيد الحياة... كبرا ولم يسأل عنهما أحد!  ولا عن أبويهما
لم يعرف أحدهما الآخر أبداً... ولم يلتقيا بعدها إلا مصادفة في مرحلة الصبا والشباب وفي الحياة العملية... مالت القلوب وتعلقت الجوارح ببعضيهما وكان ما بدأنا به حكايتنا.
قرأ الجميع ما كتب في الورقة. الاسم الحقيقي لأب الفتاة وأسم أمها
والاسم الحقيقي لأب الفتى واسم أمه الحقيقي. اسماء لم يسمعا بها من قبل!
أما سعيد وسعيدة هما ما أطلقه عليهما أهلهما الجدد.
وهنا انتهت بداية قصتنا التي بدأناها.
وقف العريس ونادى من كانت عروسه ووضع يده بيدها و السيف الذي جُهز لقطع قالب الكيك ذي الطبقات المتواضعة...
وخطب بالمدعوين الذين مازالو يتوافدون بكثافة قائلاً:
_ حفلة الزواج إنتهت ياسادة... و بدأت حفلة لقاء الاخوة..
جهاد مقلد/سوريا

No comments:

Post a Comment