الشاعر الحطيئة
(678-600م)
أبو بكر مليكة جرول بن أوس، وقيل: جرول بن أوس العبسي، كنيته أبو مليكة ابنته، ولقب بالحطيئة لقصره وقربه من الأرض، وقال: واسمه جرول بن مالك بن جرول بن مالك بن جوية بن مخزوم بن مالك بن قطيعة بن عيسى بن مليكة، الشاعر الملقب بالحطيئة لقصره. وقال حماد الراوية قال أبو نصر الأعرابي : سُمِّي الحطيئة لأنه ضرط ضرطة بين قوم، فقيل له ما هذا، فقال إنما هو حطيئة، فسمي بها، شاعر مخضرم عاصر الجاهلية والإسلام، ومن أشهر شعراء الجاهليّة، وقال فيه أبو الفرج الأصفهاني: من فحول الشعراء ومتقدميهم وفصحائهم، مُتصرِّف في جميع فنونه ومجيد في ذلك أجمع، كان ينتمي لكل قبيلة إذا غضب على الآخرين، قيل أنه لم يعرف له أب ولا أم، وقيل: أنه ولد في بني عبس من أَمةٍ اسمها الضراء، ولكن أكثر مؤرخي الأدب يقولون أنه وُلِدَ دَعِيَّاً، ولهذا ولقبح منظره كان يتبرَّم من نفسه، أخذ الشعر سلاحا يدافع به عن نفسه، وكان شعره قوي العبارة غزير المعاني، بديع البناء، وأخذ يهجو كل من لازمه، وكان يأخذ الهجاء صناعة لقوته وقوت أهله، ولم يسلم والداه من هجائه، فأخذ بهجاء نفسه وكل من حوله، ومنها قوله يهجو نفسه:
أرى لي اليوم وجهاً قبّح الله شكله === فقبّح من وجـهٍ وقبّـح حاملـه.
وقال في أمِّهِ: تنــحِّ واقعـــدي منِّي بعـيـداً == أراح الله منك العالمينا
ألم أوضح لك البغضاءَ مني== ولكن لا أخــالُكِ تعقلينا
أغربالاً إذا استودعت سراً == وكانوناً على المتحدثينا
وقال يهجو والده: فنعم الشيخ أنت في المخازي == وبئس الشيخ أنتَ لدى المعالي
جمعت اللؤمَ لا حـــيَّاكَ ربِّي == وأبواب السَّــفاهة والضَّــــلال
أسلم الحطيئة في عهد الصديق، لكنه ارتد ، فقال في أبي بكر:
أطعنا رسول الله إذ كان بيننا== فيا أحــباب الله ما لأبي بكــــر
أيورتها بكــراً إذا مات بعـده == وتلك لعمر الله قاصمة الظهر
كان الزبرقان بن بدر من أكرم العرب آنذاك، إلا أنه لم يسلم من هجاء الحطيئة، فقال فيه:
دع الـمكارم لا تـرحل لـبغيتها == وأقـعد فـأنت الـطاعم الكاسي
فشكاه الزبرقان إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الفاروق، وأودعه في السجن، فأخذ الحطيئة وأرسلها مع أحد الحراس، فلما قرأ الفاروق الأبيات بكى حتى ابتلت لحيته، يقول في أبياتِهِ:
ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ == زُغبُ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ
ألقيتَ كاسبَهم في قعر مُظلمةٍ== فاغــفر عليهِ سَـــلامُ الله يا عـمــر
وجاء هذا البيت في البداية والنهاية لابن الأثير:
غادرت كاسبهم في قعر مظلمةٍ = فارحم هداك مليك الناس يا عمر
وفي موقع قبيلة هذيل:
أسكنت عائلهم في قعـر مظلمـة = فارحم هداك مليك الناس يا عمر
وفي موقع الموسوعة العالمية للشعر العربي:
غَيَّبْتَ كَاسِبَهُمْ في قَعْرِ مُظْلِمَة == فاغْفِرْ عَلَيْكَ سلامُ اللّه ياعُمَرُ
في هذه الأبيات يستعطف الحطيئة الفاروق بشأن أبنائه القاصرين بأحمل وأبلغ الكلمات التي توقع أبلغ الأثر في نفس الفاروق، ويشفق عليهم خليفة المسلمين الفاروق، حيث يشكو فيها الحطيئة حاله وحال أبنائه الصغار، الأفراخ: أبناؤه لصغر سنِّهم، فهم مازالوا كأفراخ الحمام التي يعلو حواصلها الزغب وهو الريش الأصفر، ويقال عنه الشعر الحرام أي أن هذه الأفراخ أفراخ يحرم ذبحها لصغر سنها، ولا تستطيع لا الكسب ولا الضرب في الحياة لتكتسب ما تعول به نفسها معتمدة على نفسها، وليس عندهم لا ماء يشربونه ولا شجر يأكلون منه، وفي البيت الثاني يقول: ألقيت من يكسب لهم قوتهم في سجن مظلم، فاغفر عليه وينهي البيت الثاني بتحية السلام على عمر، وقد قرأت هذا البيت في بعض الكتب: فاغفر عليك سلام يا عمر، ويستقيم به الوزن. فأحضره الفاروق من سجنه وأعطاه ما يكفي مئونة أهل بيته، واشترى منه أعراض المسلمين ومنعه من الهجاء، وإن عاد إليه هدده بقطع لسانه، فلم يعد للهجاء بعده، ويرى بعض مؤرخي الأدب أنه عاد إلى الهجاء بعد وفاة عمر. وقيل أن آخر أبيات قالها وهو يحتضر:
لا أحد ألأَمُ من حُطيَّه = هجا البنين وهجا المُريَّه = من لؤمِهِ مات على فُريَّه
المصادر: الأغاني للأصفهاني، وديوان الحطيئة. وفي الموسوعة العالمية للشعر العربي adab، موقع: www.hothle.com
الموسوعة العالمية للشعر العربي
مَاذَا تقول لأِفْراخٍ بذي مَرَخٍ == حمرِ الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ
غَيَّبْتَ كَاسِبَهُمْ في قَعْرِ مُظْلِمَة == فاغْفِرْ عَلَيْكَ سلامُ اللّه ياعُمَرُ
أنتَ الأمِينُ الذي مِنْ بَعْدِ صَاحِبهِ == ألْقَتْ إليْكَ مَقَالِيدَ النُّهَى البَشَرُ
لم يؤثروك بها إذْ قدَّموك لها == لَكِنْ لأنفُسِهِم كانت بها الإثَرُ
وفي خزانة الأدب للبغدادي:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ ... حمر الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك سلام الله يا عمر
والقصيدة عند ابن الأثير:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخٍ * زعب الحواصل لا ماء ولا شجر
غادرت كاسبهم في قعر مظلمةٍ * فارحم هداك مليك الناس يا عمر
أنت الإمام الذي من بعد صاحبه * ألقى إليك مقاليد النهى البشر
لم يؤثروك بها إذ قدموك لها * لكن لأنفسهم كانت بك الأثر
فامنن على صبيةٍ بالرمل مسكنهم * بين الأباطح يغشاهم بها القدر
نفسي فداؤك كم بيني وبينهم * من عرض واديةٍ يعمى بها الخبر
موسى حمدان
No comments:
Post a Comment