Thursday, November 7, 2019

بدون كلام ... بقلم الكاتب المبدع الأستاذ / جهاد مقلد

قصةقصيرة
..............بدون كلام................
شعر الشاب بسعادة غامرة عندما نظر الى تذّكرته.
لقد صادف مقعده جانب حسناء جميلةتشغل المقعد الآخر قرب النافذة.
نظر الشاب إلى بطاقته وأشار لها بسبابته وإلى المقعد الفارغ بتجاهل واضح!
تساءل بأصبعه: ما يعني هل هذا الرقم  هنا؟
ثم مشيراً إلى التذكرة التي يحملها بيده!
لم ترد... لكن بابتسامة ساخرة، وهزة خفيفة من رأسها أشارت إلى الرقم المطبوع فوق المقعد مباشرة، تسخر بشفتيها من أسلوبه وسذاجته
 جلس، ولم يضطرب... صمم على فتح حديث معها، عاد وأشار إليها ما مفاده... أتسمحين لي بالجلوس؟
أفسحت له مجالاً أوسع من حقه
جلس الشاب... نظر إلى وجهها مبتسماً... لم تبادله ابتسامته،
بقيت تتصفح جوالها... لم ييأس قرر الهجوم.
ما أن تحركت الحافلة ولأول إهتزازة لها، سَلَّ نصفه السفلي نحوها، حتى إلتصق بها متأففاً من حركة الحافلة! ثم متضايقاً من مطبات الطريق كوّرٓت الحسناء نفسها على قدر ما استطاعت، حتى ضاق  مقعدها بها، بعد قليل وبحركة مزعجة مدّ رأسه من أمامها ينظر من نافذتها... تصبرت وهي تهمس لنفسها:
 _ بعدساعتين نصل ثم تنتهي الرحلة وأمري إلى الله!
شجعه صمتها على التمادي أكثر من ذلك.
مطَّ جسده أمامها نحو النافذة... أخذ يلفت نظرها إلى المناظرالخلابة.
أشارت إليه بغضب بأن اخرج
كي أخرج... أحس بضيقها الشديد
وهي تشير إليه بعصبية أن يجلس مكانها قرب النافذة، وأن تجلس هي مكانه لتقطع حجته.
عاد يدفع نصفه الأسفل نحوها حتى
ضيق عليها الكرسي وهو يتظاهر بالنوم!
سرق نظرة إلى الأسفل نحوساقي الفتاة، اقشعر بدنه خوفاً!
لقد تبدل الجنز القصير الأزرق إلى عباءةسوداء!
ظن أنها سترت ساقيها بها
رفع مستوى نظره قليلاً إلى الأعلى
جن جنونه... ماسوى يدين مجعدتين تحملان طقم أسنان صناعية!!
تابع النظر إلى أعلى... فاجأه الوجه المتغضن والفم المفتوح، وكأنه أحد كهوف حكايات ألف ليلة وليلة!
اكتمل رعبه بقشعريرة اجتاحت
كامل جسده حين ناولته طقم أسنانها، تريد منه أن يحمله ريثما تشرب ماءً من قارورة بيدها الأخرى. كانت تجلس خلفها مباشرة
امرأة مسنة تتابع حركات الشاب المزعجة... وما حصل هو أن الشاب
لم ينتبه حين لمست عجوز  كتف الفتاة بسرية شديدة، ومن ثم أشارت إليها بهدوء كي تتبادل معها الأماكن عندما كان يتظاهر بالنوم. جلست العجوز مكان الفتاة! وجلست الفتاة مكانها في المقعد الخلفي دون أن ينتبه الشاب المغمضة عينيه.
 ثم خلعت طقم أسنانها.
ومدته إليه... مررت العجوز يدها خلف رأس الشاب الذي أسند رقبته عليها فوراً... لقد أحس بأن الدنيا دانت له... فراح يعيش نشوة النصر لثوانٍ.
ولكن ذلك الواقع الجديدجعله  يفغرفمه دهشة، قبل قليلٍ كانت الحسناءتضع رجلاً فوق الأخرى. مالذي يراه الآن ؟ أخذ يحدق بنظرات مستغربة متسائلاً: ماهذا؟ كانت تلبس جنزاً أزرق... مالذي حوله إلى عباءة سوداء ملساء!
عاد الشاب إلى وضعه السابق لبرهة.  يتمعّن جيداً وبدأ يسرق إليها نظراته تدريجياً من الأسفل إلى الصدر المتدلي؛ والفم المفتوح الذي يشبه الكهف العميق المظلم، ومن ثم إلى الوجه المتغضن والذي يشبه الأثلام التي يتركها محراث فلاح خلفه... كل هذا يراه حول ملاية رفعت عن الوجه!
هز رأسه لعلّه في حلم... لم يتغير شيئ!
ماسوى يدٍ مجعدةٍ تمد نحوه طقم أسنان... تشير له أن يمسك به قليلاً ريثما تشرب الماء من زجاجة تحملها باليد الأخرى.
جف ريقه فزعاً ورعباً... قفزهارباً إلى مقدمة الحافلة
أشار معاون السائق إليه بيده عما يريد!
بدأ يحرك يديه بطريقة فهم منها معاون الرجل أن الفتاة التي تجلس جانبه تحولت إلى جنيه!
قاده الرجل إلى مقعده.
كانت الفتاة والعجوز قد عادتا إلى مكانيهما.
 ظهرعلى وجهه علامات الدهشة والرعب، حين رأى الفتاة جالسة في مقعدها الأساسي قرب النافذة.!
لم ينطق الشاب بكلمة واحدة.
بل جلس في مقعده ينظر بين الحين والآخر بطرف عينه إلى جارته الحسناء، ويكادأن يقفز من مكانه مع كل حركة عفويةتبدو منها!
فيحاول الابتعاد عنها خوفاً ورعباً
والى اللقاء
جهاد مقلد/سوريا

No comments:

Post a Comment