Saturday, November 2, 2019

للضرورة أحكام ... بقلم الكاتب المبدع الأستاذ / جهاد مقلد

قصة قصيرة
     __للضرورة.. أحكام_
أذن للظهر، فنادى صاحب العمل على البنَّاء الذي يعمل في ورشته:
_ هيا إلى الصلاة في المسجد فقال له  معلم البناء:
_الحر شديد هذا اليوم... سأذهب إلى البيت، أشعر بالعطش  الشديد ( نحن في  صيف سبعينيات  القرن الماضي في ليبيا )  وقد وصلت درجة حرارة أكثر أيامه الرماضانية إلى ما فوق الأربعين درجة! والرجل هذا لم يعد يستطيع الاستمرار في العمل حتى العصر كالعادة..  ليذهب بعدها لتحضير  طعام الإفطار ... ولم يعد يستطيع الصمود اكثرمن ذلك... حاول صاحب العمل إقناعه بالأجر والثواب، لكنه رمى عدته أرضاً ثم انطلق عائدا إلى بيته.. وفي الطريق كاد ان يسقط و ينهار أرضا... بدأ العطش والتعب يزيد من معاناته حتى إنه لم يعد يرى بعينيه بسبب  الهواء الحارق الذي يلسع وجهه والغبار الكثيف... عدا عن العرق المتصبب من جبينه، الذي يسيل عليهما فيزيدهما حرقة.
مرعلى سبيل للماء... نظرحوله... غايته المضمضة فقط بجرعة ماءبسيطة، يطفئ بها جفاف فمه، لم يجروء... الكل سيراه  .. أصحاب المحلات والمارة، ولن يصدق أحد أنه لا يشرب... الأمر خطير.. والعقوبة هائلة، وهي وضع كروش الحيوانات على رأسه والسير في الشوارع
شعر أنه مراقب... وهو يعلم نتيجة الافطار المتعمد في ليبيا... فالعقوبة هناك يعلقون في رقبته أمعاء حيوانات ويضعون على رأسه كروشاً مملؤة بفضلاتها... ثم يسيرون به في الشوارع... ويتفل المارة عليه ّ.ّ.(لا أبالغ شاهدت بنفسي مثل هذه العقوبات القاسية)
حار في أمره إن.شرب.. لامفر من القبض عليه كمفطر بمكان عام... الجميع ستأخذهم النخوة الدينية والدفاع عن الله ... وستوضع الكروش على رآسه دون شفقة! وإن استمر في السير الى بيته البعيد وهو على هذه الحاله، سيقع ويغمى عليه لامحالة، وربما يصاب بضربة شمس!
جلس المسكين على الرصيف أمام دكان حائراً.
مدفع الإفطار مازال أمامه الكثير من الوقت.
هداه فكرة إلى عملية ذكية... نفذها بسرعة لم تترك فرصة لأحد للاعتراض  أو الانتقاد
هجم بسرعة البرق على باب الثلاجة القريبة من  باب الدكان.
  وأمام الناظرين تناول زجاجة ببسي.. فتحها... وضعها في فمه وشرب  حتى كادأن ينفذ محتواها ثم رمى بالزجاجة بعنف أرضا بحيث  تناثرت شظاياها على الرصيف وهو يتفل ويبصق،  ويستعيذ بالله بصوت عال، مبدياً أسفه للخطأ الذي وقع فيه،  وإنه أفطر سهواً.. مما دفع بجميع الموجودين لمواساته والإفتاء له بغفران ربه لأنه أفطر سهواً.
كما رفض صاحب البقالة أن يتقاضى ثمن الزجاجة، وطلب له الغفران ربه أما هو فقال:
_ الحمدلله الذي اوقعني بين هؤلاء البسطاء! ولو علمواالحقيقة لكان ثأرهم مني لا يحتمل!
 ولكنت الآن إما مت بسبب العطش أو يسيرون بي في الشوارع، وفي رقبتي أمعاء كبش وعلى رأسي كرش نعجه... بينما الأطفال يسيرون خلفي يرمونني بالحصى والرجال يشمتون بي ساخرين والنساء يهزأن بي... يا إلهي أنت غفور رحيم  وللضرورة احكام تريح من فساد الظّالمين، في زمن كثرت فيه فتاوي الغربان ...
جهاد مقلد/سوريا

No comments:

Post a Comment