قصة قصيرة
مستنقع
تسللت ليلاً من روضة أزهارها، لولوج دوحة لهفتها المكتومة..
عللت لذاتها مسوغات مغامرتها منذ أن جرحتها أشواك الحب قررت
استبدال رياضه بوجبة لهفات تتقاسمها مع كلاب المال المسعورة..
تعود بعدها مختالة بنشوتها، تسترخي في حضن النسيان، متكورة قربه
تصم آذانها عن صوت شخيره، وهو الذي لم يأبه لهمهمات ألسنة حذرته
منها وكل ليلة يرتشف كأسها وينام بعمق..
لكن سهرته معها في حفل لأحد الأقارب قد أيقظت هواجسه من مخدعها
الآمن، فلم تحتمل البقاء لساعة إلا على مضض وإلحاحات منه لئلا يلفتا
النظرة السلبية للأقارب.
سحبته من الحفل إلى المنزل بسرعة لصداع أصابها..
زعزعت أركان نواياه الحسنة.. في المنزل شعرت بالتحسن، ومارست
طقوس سحرها الليلي عليه وقدمت له كأسه المعتاد، دعاه الثقل في رأسه
للنوم المبكر واندست قربه.. لكن فكره بقي يقظاً تشغله تلك الثرثرات
الخادشة وتلك العودة الصاروخية من حفل بهيج، أيقظه صوت خفيف
لباب يُفتح ويُغلق وخطوات رشيقة تصعد درج المنزل إلى السطح..
فتح عينيه وإذ هي متكورة إلى جانبه، ارتاح لقربها وأدرك أن أفكاره
السوداء تقلقه وما كان ذلك سوى صوت الريح.. وما إن أقنع فكره بإسدال
ستائره كي ينام حتى هبطت من السرير ولامست الأرض برهافة متسلقة
شجرة الأنانية متجاهلة براعمها، لتهرع إلى علية البيت مستودع الخرداوات
والأسلحة العتيقة لعائلته.. وقد تركت الباب خلفها موارباً ضماناً لعودتها بصمت، كان ينتظرها صاحب اللحظة العابرة.. استسلمت لنزعه حرير ملابسها وتبادلت الأفاعي فحيحها الجهنمي في وكر المتعة الملتهب بهما..
نهض -حارس براعمها الأمين- من غفوته المضطربة كالملسوع على صفير الريح من الأبواب المواربة.. لم يجدها قربه، تبع دروبها إلى سطح المنزل، أحست بخطاه تصعد السلّم، انسلّت من فم الليل، استقبلته بعبارات ضيق النفس، هاله التناقض بين ثوبها الشفاف وصقيع الرياح، تذكر حجم الأسلحة المتواجدة في غرفة السطح المهجورة.. وانتابه شعور شريد غريب تمّ احتلال وطنه وداره وهو يقف بين أيدي قطاع طرق لا رحمة تسكن قلوبهم.. تلاحق في ذهنه جلّ ما رواه الناس عن جرائم الخيانة وتخيلها وعشيقها يقطعانه إلى قطع صغيرة ويتخما جسده بكيسٍ قديمٍ أمام دموع أطفاله.. تنبه إلى يدها تهزه من كتفه:
-بماذا تفكر، ما هذا الشرود؟
أبعد يدها عنه بحركة نزقة فلمع بريق مريب من عينيها..
لجأ إلى حكمته ليحتفظ ببراعمه بعيدا عنها.
لكنه وبدافع يجهله لم يقلع عن مراقبتها وهي تعوم بمستنقعها الآسن مع الغرباء وتسميه حياة.
هدى إبراهيم أمون
No comments:
Post a Comment