هنا...في مكناس
مكناسُ يا مكَّةَ الأزْماتِ حجَّ إلى
أحيائِكِ النَّهبُ والإجرامُ والصَّخَبُ
يطوفُ في كُلِّ جيبٍ سوءُ من سَرقُوا
عيشَ الْفَقير الَّذي قدْ صارَ يَلْتَهِبُ
يطوفُ منْ دونِ تَكبيرٍ يُغيرُ على
مَعايشِ الْفَقرِ والإجرامُ يَغْتَصِبُ
وَنِيَّةُ الْقَتلِ صارتْ هاهنا عملاً
ِللْبعضِ مهنَتَهمْ والسِّجنُ ما كَسَبُوا
فالسِّجنُ دَخْلُ فقيرٍ أَجرمتْ يَدُهُ
والْمَالُ أجمَعُهُ في جيبِ من نَهَبُوا
يسعى هنا في جيوبِ الْفَقرِ مُفسِدُهم
يسعى هنا تَرَفًا يا شَرَّ ما اكْتَسَبُوا
والْمُجرِمونَ سَعَوْا في حَيِّنَا عَمَدًا
إلى الْجَريمةِ سفكًا لِلدَّمِ ارْتَكَبُوا
فهاهنا عُرِفَ الإجرامُ مُرْعِبُنا
هنا الجريمةُ طوفانٌ لهُ نِسَبُ
وضابِطُ الأمنِ ما نادى الْفقيرَإلى
أمنٍ ولا أهلُ هَذا الْحَيِّ قد رَكِبُوا
فحيُّنا غارقٌ في كُلِّ فاتِكةٍ
منَ الْجَرائمِ فيهِ الْقَتلُ يَنْشَعِبُ
عَقَّ الْجَميعُ هنا أمنَ الْمَدينةِ لمْ
يَرْعاه حتَّى وليُّ الأمنِ ما السَّبَبُ ؟
تَعصَّبَ الْفَقرُ في عيشِ الألى افْتَقَرُوا
هنا فأصبحَ فيهمْ مُجرمًا عَصَبُ
فأصبحَ الْفَقرُ فينا قاتلاً خَطِرًا
هنا تلظَّتْ عيوبُ الْفَقْرِ تَلْتَهِبُ
هنا سُعارُ هُمومٍ عضَّ مَسْغَبَةً
هنا الجريمةٌ في أمعائِها سَغَبُ
وجوعُها أزمةٌ تشتدُّ في فمِها
في بطنِ مكناسَ جوعُ الْقَتلِ يَحْتَطِبُ
هنا الجريمةُ نارٌ في مدينتِنا
وقُودُها فُقراءٌ كلُّهمْ حَطَبُ
اَلْقَتلُ نارٌ هنا لَكِنْ بلا لهبٍ
لَكِنَّ مُلهبَها الأزْماتُ والْكُرَبُ
هنا دِماءُ ضجيجِ الْقَتلِ نازِفَةٌ
والْمُجرِمونَ هنا في الْقَتلِ مَاتَعِبُوا
هنا الجريمةُ في مكناسَ ضارِيَةٌ
رِجالُ شُرطَتنا من حيِّنا انْسَحَبُوا
خوفًا منَ الْمُجرمينَ ارْتَدَّ ضابِطُهمْ
عن ضبطِ أمنٍ هنا من حيِّنا اجْتَنَبُوا
هنا الجريمةُ في مكناسَ نابِحَةٌ
نُباحُها ها هنا في حيِّنا شَغَبُ
هنا الْقُلوبُ حِجاراتٌ تَفجَّر من
قسْواتِها فائِضُ الإجرامِ يَنْسَكِبُ
هنا تَكاثُفُ أجسامِ الْفُجور هَمَتْ
على الشَّوارعِ والأصواتُ تَنْتَصِبُ
هنا تَزاحُمُ عَوْراتٍ قدِ انْهَمَرَتْ
في أَعيُنِ النَّاس في مكناسَ تُرْتَقَبُ
هنا مُؤخِّرَةُ الأسواقِ ظاهِرَةٌ
كبيرةٌ بِفسادِ النَّاسِ تَصْطَخِبُ
مكناسُ ضجَّتْ بِأردافِ الْجَريمةِ يا
خوفِي منَ الْقَتلِ في مكناسَ يَا عَرَبُ
في (البرجِ) في حيِّ (بابا) النَّارُ تَقْتَربُ
وأزمةُ الْعَيشِ في أحوالِنا خَشَبُ
وعُمْرَةُ الْعَيشِ في أحوالِنا يَئِستْ
ولَم تَجِدْ عٌمْرةُ الزَّيتونِ مَا طَلَبٌوا
زيتُ الْمَدينَةِ بالإجرامِ دنَّسَهُ
وَلْغُ الْكِلابِ الَّتي في الْحيِّ تَغْتَرِبُ
وَلْغُ الْكلابِ غريبٌ في مدينتِنا
يَعُضُّها فإلى غاباتِهَا الْهَرَبُ
يا أعيُني ها هنا الإجرامُ عُصْبَتُهُ
قدْ تعتريكِ بِشرٍّ ها هنا الْعُصَبُ
يا أيُّها الْقَلبُ قلبي احْذرْ جرائِمَهمْ
هنا الْعصاباتُ في مكناسَ تَنْشَعِبُ
لا ناسَ بل مكَّةُ الأزْمات عامِرةٌ
بكُلِّ ذئبٍ هنا للنَّهبِ يُنْتَخَبُ
لم يَشبَعِ النَّهبُ من مالٍ فشهوتُهُ
ضَرَتْ فريسَتُها الأموالُ والذَّهَبُ
لأزمةِ الْعَيشِ في أوضاعِنا سَبَبٌ
وأزمةُ العيشِ في أوضاعِنا وَصَبُ
فلا طبيبَ هنا يُجدي فَيفحَصُها
يُعالجُ الْوَضعَ يُعطي الْوضعَ مَا يَجِبُ
مكناسُ فينا أُصيبتْ بالفسادِ وقد
صارتْ بداءِ فسادِ النَّاسِ تَنْتَحِبُ
ذئابُ نهبٍ وإجرامٍ مُهيمِنةٌ
على المدينة في أجسامِها رَغِبُوا
توحَّشَ النَّاسُ في مكناسَ كلُّهُمُوا
غدت فريسَتَهمْ بالْقُبحِ تُغْتَصَبُ
قبيحةٌ ها هنا الأوضاعُ قد خَبُثَتْ
بكُلِّ مَفْسَدَةٍ مكروهةٍ جَلَبُوا
فالوضع في حيِّ (بابا) في (العروسِ)وفي
(برجٍ) وفي حيِّ (زيتونٍ) بِهِ عَطَبُ
في كلِّ حيٍّ هنا الأخباثُ رائِجَةٌ
والنَّاس فيها هنا في الْفِسقِ مَارَسَبُوا
هُمْ ناجحونَ هنا في الْمُفْسداتِ فقط
لَكِنَّهمْ في تُقَى الإصلاحِ قد كَذَبُوا
في حيِّ (حَمْريَّةِ) الْحاناتِ خمرُ زنًى
يزني هنا في هوى مكناسِنا الصَّخَبُ
وفي (السَّباتا) وفي حيِّ (الْهَديمِ) وفي
(تولالَ) كلُّ يدٍ تجني وَتَرْتَكِبُ
هنا السُّجون مليئاتٌ بأزمَتِنا
وَيَنتشي النَّهبُ بالأموالِ والنُّخَبُ
مكناسُ يا كعبةَ الأزْماتِ حَفَّ بها
شرٌّ وصارتْ بشرِّ النَّاسِ تَكْتَئِبُ
فالنَّاسُ فيكِ غدوا عادًا وقد تَخِذُوا
فيكِ الْمَظاهِرَ أصنامًا وقد حَسِبُوا
ظنُّوا الْمَظاهر يا مكناسُ آلِهَةً
تُنْجيهُمُوا من ردى الأخلاقِ إِنْ نُكِبُوا
ونَكْبَةُ النَّاسِ في أخلاقِ أنفُسِهمْ
(فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا)*
اَلنَّاسُ قد تَخِذوا مكناسَ حانَتَهمْ
فيها بغَوْا خمرَ إجرامٍ وَقَدْ شَرِبُوا
فالنَّاسُ قد ثَمِلُوا فيها بِمَفْسَدَةٍ
ساحُ الْمَفاسدِ فيها النَّاسُ قَدْ لَعِبُو
صاروا ثَمودًا بِنَحتٍ للجريمةِ في
كلِّ الْمرائي هنا مكناسُ تَنْتَحِبُ
تشكو الَّذي صارَ في أحيائِها خَطَرًا
قد صار ضِيقًا هنا ميدانُها الرَّحِبُ
فالناسُ قد عَمروها بالجريمة يا
مكناسُ يا كعبةَ الأزْماتِ تُغْتَصَبُ
هل تسخطينَ عليهم مثلما سخطوا
على رِضاكِ وهل تجزينَ مَن سَلَبُوا
أم تغفرينَ لِمن يُؤذي رضاكِ ولا
يُرضيكِ بالأمنِ بل بالسُّوءِ يَنْقَلِبُ
قد صارَ مُنقلِبًا بعدَ الثَّراءِ على
رضاكِ والْفقرُ في أحوالِنَا عُلَبُ
لَكِنَّها فارغاتٌ في مَعايِشِنا
منَ الْحُقوقِ وفي جيبِ الْهوى نَشَبُ
حتَّى الرِّجالُ الألى اهْتمُّوا بأمنكِ يا
مكناسُ ماهمَّهمْ أمنٌ فَقَدْ كَذِبُوا
فلا الْوِلايَةُ يا مكناسُ قد خدمت
رضاكِِ بعد سُمُوٍّ لا ولاَ الأَدَبُ
فصرتِ سودَا بما قد أحدثوا بك يا
مكناسُ تأسى على أوضاعِكِ الْكُتُبُ
وصرتِ جرداءَ ممَّا كنتُ آملُهُ
فشابَ حرفيَ من أوضاعِكِ الْغَضَبُ
فريد الغنضوري
*فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا: مقتبس من البيت المعروف لقائله الشاعر المصري أحمد شوقي وبيته مثل مشهور :وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت/فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
No comments:
Post a Comment