Saturday, September 14, 2019

محاورة حرف في مزهرية اللغة ... بقلم الأديب المبدع الأستاذ / صالح هشام

محاورة حرف في مزهرية اللغة:
 بقلم صالح هشام/الرباط/ المغرب٠
باقة حروف إلى جاسم آل حمد الجياشي٠
     مرة كتب الشاعر جاسم آل حمد الجياشي قائلا:
     -حرف مستفز الذاكرة، أحترم كل كلمةٍ أقرأها، لكن بعضها يشعرني بأنها غُرست فيَ، فتينع حتى تزهر، فأستنشق عبيرها٠ أحس بأنها تعيد ترميمي، فأطمئن على بقاياي، شكرا لتلك الأرواح المشرقة كالشمس التي تكتبها، أنحني لحرف يغازل كل ما جاء بين ثلاث: ( كون ) (شمس ) ( قمر) ( نجم ) ( بحر) ( شجر ) ( زهر) ( مطر) ( بشر )  (نهر ) ( سحر) ( طير) غيرها٠٠٠
    استفز الحرف ذاكرة الشاعر، وكان أكثر استفزازا لقلمي -أنا القارئ- أنا الذي أعشق أن تستفزني الحروف، فأقدسها وأنحني لها إجلالا كلما رأيتها تمتص بياض الصفحات كمد يجتاح رمال الشطآن، وتتهادى بخيلاء في بحراللغة، كسفين يتهادى على  صفحة أمواج هائجة٠
     لم أجد بدا من الرد على استفزاز حرف الشاعر إلا بمحاورته، علي أبرز لهذه الحروف ما لها وما عليها٠ هوالحرف المجنون في قصيد شاعر مجنون بجنون الحروف، وأنا أخاف أن تنتقل إلي عدوى جنون الحرف، لكن رغم ذلك سأرد علي هذا الاستفزاز حتى لو مسني هذا الجنون:
   -يا جاسم، أشعر بحرفك يخلخل رتابة تفكيري، ويوقظ أعشاش  الدبور المسعور في نفسي ويدغدغ في الإحساس، ويحفز يراعي على الكتابة،  فلا يسعني إلا القول:
    كاف كونك كاف كربي وكبوتي، وكآبتي،  كاف إكليل ورد في كياني، فأحيى  في كاف كلماتي، فهو كاف إكسيرحياتي، أتمسك به، وبه أرمم كاف كربي وكبوتي، فالأحصنة التي تحسن العدو والقفز لا تعرف الكرب والكبو٠
     شين شمسك، شين شعرك يرفو شين شراعي المهترئ، ويعلمني  الإبحار في متاهات موجي، شين  شرارة تشعل شعلة مشاعري وأشعاري، وإن كنت لا أحسن فن الشعر٠ وكالراقد في لا شعوري،  يشع شين شمسك في نفسي، فأراه – ملء العين - شين شامة على خد شعرك، تقلص بعد المسافات، تحرق  نضارة انتظار الحاضر/ الغائب٠ شين شاعر قادم  من شين شبق مكتوم في شفق ملكلوم، يومض ويخبو على جبين وطن عربي مقهور محقور٠
     شين شمسك، شين الجياشي،  شين شهامة على خد شاعر، رفضه واقع آسن متخن بالمآسي، لكن، لم يخنه شين الشعر ورنين القوافي٠    
    قاف قمرك يا جاسم،  غيمة مثقلة بالأمطار، مشبع بالتناقضات حتى التخمة، قاف قتل وتقتيل، قاف قائد أرعن مجبول على تدمير كل ما هو في الحياة جميل، قاف  تقتير في الرؤية والتبصر، تسعى – جاهدا- لتقويم اعوجاجها بقاف قوافيك٠
  قاف قمرك يا جاسم، قاف قلمك مقهور ينعى في مجتمعاتنا قاف القيم، سيف مسلول مسلط على قاف القهر في الأوطان٠
  قاف قمرك، قاف قنبلة تتفرقع فوق رؤوس الظالمين، قاف قلق يقض مضجع قاف القوارير بين أحضان زناة الليل، يكسر قاف القوارير فوق موائد قاف قمم القمامة٠     قاف قوارب الأحباب والأقارب، يحملون أكفانهم فوق راحاتهم، ويبحرون نحو قاف أفق مجهول٠ يهربون  من قاف قتل مجاني،  قاف قابيل العصر٠ قاف  القذارة تغزو قاف قلب إنسان سلم مفاتيح  إنسانيته للحيوان٠
   قاف قمرك يا جاسم، قاف قافية بيت من أشعارك، يهد عروش الظلم في زمن الظلام، يحير أشعر الشعراء، قاف قافية بيت شعريتهمونه بهلوسات مجنونة، فيرشحون القول والقائل لقاف مشنقة أوقاف مقصلة٠
  قاف قمرك قصي عصي على الألسنة، لين على اللسان العربي الصافي :
       وقبر حرب بمكان قفر٠٠٠ وليس قرب قبر حرب مكان قفر٠
قاف يستنهض همة قاف غريق تشبت بقاف غريق، في زمن تتمسك فيه الأم برضيعها فتسرطها قنبلة شاردة، وتتفلها لحما بلا عظام، أو أشلاء مخلوطة بأشلاء رضيعها٠ قاف قربان يذبح على محراب سياسات مقيتة حمقاء ،عرجاء ، عجفاء، غوغائية الأهداف، تحسن الصفير والتصفيق ولا تخلو قواميسها من تسويف٠
    نون نجمك يا جاسم، نون جنون، لاجيم مجون،  نون نوبة صرع وصراع يهد أحلام الانتهازيين والوصوليين والمنافقين٠ نون ترميني  في نون الكون الشاسع، فألوك كعلكة أحلامي في شطحات جنوني، النون حرف مقدس، نون والقلم وما يسطرون، نون له رمزه، وشفرته لا يفكها إلا متمرس بفك الشفرات، مستعذب في الإحساس، حلو المذاق على اللسان، لين في النطق٠  نون نجمة شاردة في المدار تشع نور حب، وتضيء عتمات دواخل الإنسان، وتنعش حبا للطير فوق رؤوس الجبال أحرقته الطائرات النفاثة٠
    نون نجمك، عروس في الفلك تتهادى، في علياء السماء تختال وتتبختر، نون سفين يمخر عباب فراغ بلا نهاية، نون تجمع بين النملة والنحلة على موائد الخير، فلا هي عين عرب ولا غين غرب تحت طاولات المؤتمرات تتآمر على تدمير نون إنسان عربي مقهور، فيهدرون دمه ويجيزون في حقه الفتك والقتل٠
   باء بحرك يا جاسم، باء على الشفتين تتشظى وتنفجر، باء بداوة عربية عفيفة تصرخ فينا من البحر إلى النهر، من النهر إلى البحر، باء عتب وعتاب: كرامة تستباح، وتدوسها أقدام الغرب، باء بشرة فيها من صحراء العرب سمرة مقهورة  معذبة، تقتات من حاويات القمامة، وتشارك كلاب الكلاب فتات موائدها في زمن العهر السياسي والتجويع من أجل التركيع، باء بشرة بهتت ألوانها، فمارست- قسرا- التغريبة الهلالية في بلدان الآخرين هروبا من سيف سيافي اللصوص، باء بدر ضمير اكتمل ثم أفل، وأمل أزهر وفي النفوس قتل، باء ضباب في مواقف العرب من العرب٠ باء أبي لهب: باء بلادة وبداوة وفكر مشلول٠
   فما أقسى اجتماع باء البلادة وباء البداوة، وتاء الترف في كياننا العربي، ثالوث مشؤوم  دمر عربنا وعروبتنا!
  وما أعذب باء بحرك يا جاسم، وما أجملها تنتشي بدفء حاء حب محمومة!
    زاي زهرك، زاي رمز زايوس وسيزيف، يسكن بواطن أشعارك، يستوطن مشاعرك، رمز يستعصي على التفكيك٠
  زاي زهرة برية بيضاء نبتت في تربة فاسدة، لكنها أينعت  في سطور قصائدك، لكنها ذبلت بين أيدي قراء لا يقرؤون٠
     زاي زمن أغبر من الصحراء أقفر، زمن  سادت  فيه زاي تزوير التاريخ، فبني تاريخا أعرج، آيلا للسقوط في كل لحظة وحين: بطولات وهمية، زيفوها حقائقها عن سبق إصرار وترصد، وفصلوها على مقاساتهم، لكن التاريخ لا يرحم، سيرمى بتاريخهم في مزبلة مزابل التاريخ٠
    زاي زهرتك يا جاسم، زاي زهيرات أشجار دفلى متوحشة يهدهدها حفيف سيقان السمار على ضفاف أودية لم تعبث بجمالها حوافر أحصنة سفلة العصر٠
    ميم مطرك يا جاسم، ميم مسكون بأنين وجع محموم، وفي أعماق النفس مكتوم، ميم بالشعر مجنون، بين ذوي القربي مغبون٠ ميم موت مجاني على مراكب  الموت، مراكب الهروب من موت إلى موت، الهروب من قنابل عنقودية إلى قواطع قرش في أعماق البحر هائج يستهويه الدم البشري/ الماء العربي، هذه حقيقتنا، فلا مفرمنها، فالماء أصبح أغلى من الدم، في هذا عصرنا المأزوم والمهضوم الحقوق٠
     ميم مطرك يا جاسم، ميم مزنة  تمخر عباب السماء من المشرق إلى المغرب، ولا تتفل تفلة تزرع بدرة أمل في نفس فلاح عربي مقهور، علق جوع أبنائه بزرقة السماء، ورذاذ غيمة قد تأتي أو لا تأتي٠
ميم مطرك يا جاسم، ميم جاسم ٠٠٠ ميم حمد ٠٠٠ ميم متيم  بميم الجملة العربية الجميلة، ميم حمد ميم محمود علمه وعمله٠
    أما حاء سحرك يا حمد، فأنت حر في كسر سينها أو فتحه، فالحركتان معا في الكلمة رائعتان، محل هذه تحل تلك، فلا يبهت بريق أويجف ريق الكلمة٠
     ته في ملكوت الكون يا جاسم، كيف ما يحلو لك، فحاء سحرك حاء حياة٠٠٠ حاء حلم ٠٠٠ حاء حلم ( بكسرها)، فهي حاء -دوما- حربائية قزحية الألوان، لا يستقر حالها على حال٠٠٠ حاء حالم امتهن الحلم، فأبحرفي عالم التيه والجنون، فركع- مضطرا- لعظمة مزيفة تدمر أسباب الحياة في عالم يسير عكس التيار٠٠٠  عظمة وهمية من زايوس إلى نيرون أشعلت الحروب وأكلمت القلوب، ومن ماغول الزمن الهارب إلى ماغول عصرنا الحديث٠ حلم الحمقى لا يعرف  كسر حاء الحلم، ينتشون بحاء الحروب حتى الإغماء٠
 فما أحقرها حاء الحرب!
وما أروعها حاء الحلم٠٠٠ حاء الحلم٠٠٠ حاء الحب٠٠٠ حاء  الحياة !

No comments:

Post a Comment