Tuesday, September 3, 2019

عمى ألوان ... بقلم الكاتب المبدع الأستاذ / أكثم جهاد

(قصة قصيرة_ق.ق.)
عمى ألوان
ارتدى بدلته الأنيقة، بدا كرجل أعمال حقيقي...جاءت إليه لتودّعه وعلامات الأسى ظاهرة على وجهها.
خاطبها قائلاً:
_أما زلت غاضبة منّي؟...أنت لا تعلمين خطورة الموقف بعد، كيف لي أن أشتري لكِ بيتاً في بلدك؟ وهناك الأحداث الدّامية ما تزال في أوجها، والوضع غير مستتبّ بعد.
قالت:
_ولكن أريد أن أكون قريبة من أهلي بامتلاكي ذاك البيت.
قال:
_عزيزتي أنا لم أحرمك من الذّهاب إلى أهلك كلّما اشتقت لهم، فلمَ المجازفة بشراء ذلك البيت؟...عزيزتي كلّ ما أملكه هو لك وفي القريب العاجل سيرزقنا الله بأبناء يملؤون عليك حياتك...في نهاية الأمر كلّ ما أملكه هو لك ولأبنائنا من بعد.
قالت:
_حسناً، رافقتك السّلامة.
قال:
_لا عليك في رحلتي هذه بعد ان أنهي أعمالي سوف أمرّ على أهلك وأبلغهم تحياتك، وأعدك في المرّة القادمة سوف أصحبك معي لزيارة أهلك ونقضي هناك إجازة طويلة عندهم.
استودعها ثمّ مضى مسرعاً نحو المطار لكي يلحق موعد الطائرة المغادرة.
وصل بلد زوجته، اتجّه نحو الفندق الّذي سوف يبيت فيه لحين الانتهاء من أعماله.
في اليوم الأخير له حجز للعودة إلى وطنه في اليوم التّالي، لكنّه تذكّر أن يذهب إلى بيت أهل زوجته لزيارتهم وقضاء يومه الأخير عندهم.
تناول العشاء عندهم بحضور جميع أفراد الأسرة.
قال له صهره (الأخ الأكبر لزوجته):
_كيف حال أختي؟ ولماذا لم تحضرها معك؟
قال:
_هي بخير، في المرّة القادمة سوف تأتي لزيارتكم في إجازة طويلة نقضيها في رحابكم.
قال صهره:
_ألا تريد أن تشتري لأختي بيتاً قريباً من بيتنا؟
قال:
_هذا الكلام سابق لأوانه، ولقد تناقشت مع أختك بشأنه وانتهى الأمر.
قال صهره:
_كما تشاء...اسمح لي فلدي موعد هام.
منتصف الّليل، قرّر المغادرة لكي يذهب للفندق ويستعدّ للسّفر في الصّباح الباكر.
استودعهم، ثمّ غادر...على قارعة الطّريق وهو ينتظر سيّارة أجرة لكي تقلّه للفندق، هوى على الأرض مغشيّاً عليه من تأثير ضربة قويّة على رأسه.
استيقظ والدّماء تسيل من رأسه، وهو في حيرة من أمره، لا يعلم ماذا جرى له، متسائلاً:
_لم أنا مقيّد اليدين ومعصوب العينين؟، ولا أستطيع الحراك داخل غرفة مظلمة في قبو مهجور.
صاح بأعلى صوته:
_يا ناس...أين أنا؟ ومن أنتم؟ وماذا تريدون منّي؟
ردّ عليه أحدهم:
_اصمت ولا تتكلّم، وإلّا فإنّ نهايتك ستكون هنا، ولن يعلم بأمرك أحد، كلّ ما عليك فعله هو الإنصات لنا فقط.
قال:
_حسناً، وما هي مطالبكم؟
قالوا:
_نريد مبلغ فدية مقداره مليون دولار، فنحن نعلم أنّك ميسور الحال وتستطيع دفع هذا المبلغ.
سكت برهة، وبعد تفكير عميق.
قال:
_حسناً، ولكن كيف لي أن أجلب لكم هذا المبلغ وأنا هنا.
قالوا:
_لا عليك، اكتب المبلغ المطلوب في شيك باسم زوجتك وهي بدورها سوف تحوّل المبلغ إلى عملة الدولار  ومن ثمّ سوف تحجز وتأتي إلى هنا ونحن بدورنا سنتابع معها ونأخذ المبلغ منها...طبعا سنجعلك تكلّمها وتشرح لها المطلوب تماماً.
فعل كما أرادوا لخطّتهم أن تسير، وبعد عدّة أيّام، مرّت عليه كأعوام عجاف نتيجة الإرهاب والتعذيب النّفسي والجسدي..تمّ أمر الاستلام ليصبح المبلغ بحوزتهم.
أطلقوا سراحه في الطّريق الصّحراوي وهو مغشيّاً عليه لكي لا يتبع أثرهم...استيقظ مجدّداً ولكن هذه المرّة في المركز الأمنيّ، وهناك تمّ استجوابه، وبعد ذلك طلب منهم الاتّصال بزوجته وصهره للقدوم إليهم وأخذه.
حضرت زوجته بصحبة صهره إلى المركز الأمنيّ، وما إن وقعت عيناه عليهما حتى تنهّد طويلاً.
ثمّ قال لزوجته بكلّ حزم:
_أنت طالق.
صُعق الجميع لما سمعوا، وفي ظلّ هذه الّلحظة الحاسمة...التفت للضابط الأمنيّ قائلاً له:
_سيّدي، أرجو منكم إلقاء القبض على زوجتي وصهري، فهما وراء عمليّة الابتزاز القذرة.
قال الضابط:
_وما هو دليلك؟
قال:
_لقد سمعت صوت صهري من بين أصوات باقي أفراد العصابة الّتي خطفتني، وهو الّذي اقترح كتابة المبلغ باسم زوجتي، فعلمت أنّ لزوجتي ضلعاً بعملية الخطف، بدليل أنّها لم تخبر أحداً من أفراد عائلتي عمّا جرى لي، ولم تفكّر مطلقاً بإبلاغ السلطات الأمنيّة عن حادثة الخطف والابتزاز، عندما خابرتها بعدما سمحوا لي بمحادثتها.
أمام هذه الاتهامات الصّريحة، انهارت الزّوجة واعترفت بتلك الجريمة، ودموع النّدم تنهمر من عينيها، وقبل أن يُرجّ بها وبأخيها للسّجن تنهّدت
قائلة:
_نعم، كنت أريد شراء البيت بأيّ ثمن وأحقّق رغبتي الّتي حرمتني منها، وقد شجّعني أخي على ذلك.
بقلمي/أكثم جهاد

No comments:

Post a Comment