Wednesday, January 8, 2020

سلة الألم ... بقلم الكاتب المبدع الأستاذ / جهاد مقلد

قصةقصيرة
________سلةالألم ________
الخلاف يتكرر يومياً بين الرجل وزوجته، هي تريده أن يُخّرج أباه من حياتهما... ومن بيتها بالذات، وهو يتحمّل الواقع المر على مضضٍ، أخيراً طفح به الكيل وضاق ذرعاًبحالته.
مشكلته كبيرة ومرعبة... هويعيش الصراع بين الأمرين ، وأحلاهما أمرُّ من الآخر... كل لحظة يجد نفسه بين نارين تُلّهبان فكره وتثبطان عزيمته... خاصة وأن العشرة أصبحت بينه وبين زوجته لا تطاق بسبب عجز والده... وضيق ذات اليد تركبه حيرة ليل نهار... هل يترك زوجته؟ هل يطرد والده من بيته؟ يخرج إلى الشرفة مشدوهاً بعد كل مشادة بينهما... أخيراً جاء قرار الحسم.
 استقبلته زوجته ذات يوم بالصراخ والعويل، وهي تصيح به انظر ماذا فعل والدك... كسر... أتلف... وسخ.!!!
وقف المسكين متألماً يتحرق غيضاً أمام آخر ما قالت له:
_إما أنا... وإما هو في هذا البيت.
لم ينفع معها التودد، ولاطلب المسامحة، ولا التذكير بأن الأجل آت لامحالة... لم تترك له مجالاً للأضافة وهي تصيح قائلة:
_ إما أن تقبل بي أوتقبل بأبيك. حتى ولدنا هذا سآخذه معي.
مرّت دقائق من الصمت عليه وبكاء يكاد أن يحرق جوفه، ثم قال:
 _أعطني السلة الكبيرة... وضع فيها والده المسن الذي تقلص حجمه بفعل الزمن والقهر! حتى غدا عبارة عن كومة صغيرة من العظام مطلية بطبقة من الجلد المجعد!
لكنها تتحرك ليس أكثر!
وضعه في السلة... حَمَلها على ظهره. ثم توجه بحِملِه نحو وادٍ قريبٍ. هناك وضعه في ظل صخرة!
 هَمّ بأن يأخذ السلة معه، لكنه عدل عن رأيه، فالسلة ستذَكّره بفعلته الشنيعة... ترك له بعض الطعام، وعاد يجلس في شرفة المنزل يبكي عقوقه وعجزه، وظلمه لوالده، يبكي جنته المفقودة، يبكي إيمانه الهزيل...
وينظر إلى حيث وضع والده... فجأة قفز كالمجنون! لقد رأى عجباً... السلة قادمة تتهادى، ترتفع وتنخفض! جحظت عيناه، تسمرت بما ترى
السلة تسير... ها هي تتجه نحوه، نحو بيته!
 أمعن النظر دقق النظر جيداً
 نعم إنها هي السلة لكنها مقلوبة، أسفلها أعلاها... أصابته هستريا شديدة، أخذيلهج بكلمات متقطعة غير مفهومة... خرجت زوجته مسرعة على صوتِ حشرجته... ترنّحت... سقطت على الأرض... أرعبها المنظر... أخيراً اقتربت السلة من البيت ولاحت لناظريه سَاقي ولده تتحركان تحتها ببطءٍ شديدٍ.
لم يستفق من ذهوله إلاعندماسمع
ولده يقول:
_ لماذا نسيت السلة يا أبتِ
سأضعها في غرفتي... عندما تكبر غداً سأضعك فيها.
صاح والده وقد انفرجت أساريره قليلاً.
_ لاتنس أن تقول هذا لأُمِك يا ولدي
قل لها أنك ستشتري لها سلة أخرى...
جهاد مقلد/سوريا

No comments:

Post a Comment