المشاء والسائحة.
الصويرة، الأصيل.
يقف هناك متكئا على السور الحجري ينظر للبحر، يتأمل المشهد الخلفي للمدينة، بدت له المدينة خرافية، غامضة، وغارقة في الضباب وكأنها تنتمي إلى زمن بعيد.
الى اليسار، وغير بعيد من بوابة الميناء الضخمة تتحرك الزوارق في الصهريج صعودا وهبوطا في تناغم مع حركة المد والجزر، يسمع احتكاك الحبال وطقطقة الخشب، أسراب النوارس واللقالق تؤثث المكان، تهب ريح قوية من جهة البحر، تندفع الطيور، تمشي إلى الأمام في خطوات خرقاء ومائلة بحثا عن التوازن، تنخرط في وليمة من أحشاء وبقايا أسماك يلقيها البحارة ورائهم في حركات لامبالية، تتخاطفها، تسرقها، تصدر أصوات احتجاج، ولكنها لا تتعارك أبدا.
في أقصى اليسار تبدو الجزيرة نائمة في أحضان المحيط، تهب الريح أقوى، تتطاير سحابة من رذاذ رطب وبارد، يستشعر ملوحته في عينيه وعلى شفتيه.
تجتاحه مشاعر متناقضة، مشاعر يمتزج فيها الاحساس بالسعادة والحرية والإنفلات، مشاعر غامضة تتملكه في كل مرة يتيه في المدينة على غير هدى.
تحت ظلال الجدار الحجري للمتحف البحري تجلس سائحة أجنبية في وضعية جسدية مريحة، تفترش الأرض، تسند ظهرها إلى الحائط وعلى ركبتيها أوراق بيضاء ترسم عليها بلون الفحم المشهد الخلفي للمدينة، السور التاريخي بأبراجه الرمادية، السقالة، والمدافع وهي تطل من القلعة، ترسم حركة الموج وهي ترتطم بالصخور، وبين الحين والآخر تضع الأقلام جانبا، تبلل بلسانها أطراف أناملها الرفيعة، تمررها بخفة على تفاصيل الرسم لتخفف اللون وترسم الظلال.
تعبث الريح بشعرها الأشقر المتموج في تسريحة فوضوية، ترد الخصلات المتمردة في حركات آلية وعفوية، تنظر للبحر، تتأمله للحظات، ثم تعود لتنخرط من جديد في الرسم.
توقف هو ينظر إليها، إنتبه لهندامها البوهيمي الأنيق، سروال جينز، قميص قطني فضفاض وحذاء صيفي خفيف، أناقة تقف عند الحدود القصوى بين البساطة والإهمال.
تسائل.
– من أين تستمد هذه السيدة كل هذا السحر والجاذبية؟.
تأملها للحظات، تفاعلت بداخله خواطر مبهمة، بالنسبة له لم يكن الجواب صعبا.
– إنها سلطة الجمال والهدوء والبساطة والعفوية...
عندما غادر، مر على بعد خطوات منها، ألقى نظرة خاطفة على تفاصيل المشهد المرسوم، رفعت رأسها، حياها بحركة خفية، ابتسم، ابتسمت هي شاكرة وممتنة، ومضى يستكمل جولته المسائية...
No comments:
Post a Comment