قراءة نقدية بقلمي: أكثم جهاد للقصة القصيرة جدّاً (حنوّ) وهي من وحي قلم الأستاذة: دينا ناصر الدين.
==========(النص: ق.ق.ج)==========
حُنُوّ
أثقَلَ عَلَيها الأحمال، رَجَتهُ الرّحمَة، أقفَلَ في وَجهها السّبلَ، زادَها حِصاراً مُغلقًا كلّ الأبواب إلّاهُ.
بقلم: دينا ناصر الدين/فلسطين
==============================
استناداً لقوله تعالى في الآية الكريمة:
{وأيّوبَ إذ نادى ربّه أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين*83* فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضُرّ وأتيناه أهلهُ ومثلهم مّعهم رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين *84*} فإننا نمتثل لحقيقة هامة قد تغيب عنا في كثير من الأحيان ألا وهي لحظة الضعف التي تمسّنا في مواقف كثيرة نعيش فيها داخل دوّامة من الحيرة ونلمس فيها ذلك الضعف الإنساني وما يحمله من مشاعر وأحاسيس رهيبة كالخوف والجزع والانكسار..الخ، تلك الصفات الحسّيّة مزروعة فينا منذ الأزل لنعلم علم اليقين أننا جميعا على وجه هذه البسيطة متساوون في هذه الصفات، ومن ثمّ نستدرك حقيقة وجود الخالق وهو القوة الناجية والحامية التي تحتاجها النزعة الإنسانية دون غيرها من قوى واهية بالكاد تحمي نفسها.
_التحليل الفني والأدبي للنص:
-العنوان: وهو مفتاح القصة ورمز دلالتها، وهو المدخل لمكنونات الفكرة المُراد لها من قِبل القاصّ ليضيف صبغته الفنية في متن القصة.
*حُنُوّ: مصدر حنا، بمعنى العطف والشّفقة، ولكن من أين تأتي هذه الشّفقة وهذا العطف، هل من الأم لولدها؟ أم من الأب لابنته؟...إنها أعمق وأشمل وأسمى من كل هذه التصورات البصرية لتجتاز الحدود العقلية إلى ما لا يمكن إدراكه من الغيبيات.
-(أثقل عليها الأحمال): استهلّت القاصّة بجملة فعلية تبدأ بفعل ماضي والفاعل مُقدّر غيباً، لنتساءل من ذا الذي أثقل عليها الأحمال منذ الأزل القديم، هل هو ملموس ومرئي؟ أم أنه غيبيّ كما أرادت القاصة إبهامه في بداية القصة، وهذا الإسلوب الدراماتيكي محبوك بعناية للفائدة المرجوة للنص من جانبين:
-الجانب الأول: أنّ الفاعل هو غيبيّ فعلاً ولا تدركه الأبصار.
-الجانب الثاني: لمس صفات ومَقدِرَة ذلك الفاعل من خلال تأثيره المباشر على فسيولوجية هذا الإنسان.
تناولت القاصّة شخصية محورية لتكون هي محطّ أنظار القارئ ألا وهي (النفس البشرية) لتبرز لنا معلومة هامّة أنّ هذه النفس هي الخليّة العاقلة في هذا الكون وما سواها غير عاقل فأمرُها إلى الله لتكون مسيّرة بإرادته تعالى.
أمّا هذه النفس في الكائن العاقل فقد خلقها الله على ما هي عليه وتحدّى بها جلّ جلاله ملائكته عندما اختارها ليكون حاملها خليفة له على هذه الأرض، إذاً فبعلمه الأزلي جعلها مسيّرة ومخيّرة، لذا فهي قادرة على حثّ حاملها بالخوض في معامع الحياة وتحمّل مآسيها، وهذا هو الاختبار الحقيقي.
-(رجته الرّحمة): إذاً لقد نجت الفئة المؤمنة بقضاء الله ولكن هناك (الصّفوة) من البشر وهؤلاء هم الأكثر ابتلاءً بقضاء الله، فكلّما تقرّبت إلى الله بالدعاء وتحلّت بالصبر رضي الله عنها وزادها ثباتاً.
-(أقفل في وجهها السّبل،زادها حصاراً): تلك الفئة المؤمنة هي الصفوة التي اختارها الله من عباده لعلمه الأزليّ ببلوغها مرحلة متقدمة من الإيمان، لكنها قد تخضع لاختبار أعظم شأناً من تلك الاختبارات التي خضعت لها، فتجدها قد سُدّت في وجوهها كل السّبل ليزداد البلاء، فهل تستغيث بغير الله، وإن حاولت فما من مناص، لأنّ جلّ جلاله أعلم بقدرات مخلوقاته كلّها، فيزيد في الحصار والشدّة والابتلاء إلى أن يتخلّى كلّ من هو ذو نفوذ وصاحب جاه وسلطان عن هذه الفئة المبتلاة، ليس لعدم الاكتراث بل لعجزهم المطلق عن مدّ يد العون فلا حول ولا قوة لهم أمام جبروته تعالى.
-(فغلق كل الأبواب إلّاه): استطاعت القاصّة من خلال هذه الجملة الفعلية بالزمن الماضي إلى الوصول للنهاية المدهشة الحتمية التي لا مفرّ منها لتكون القفلة محكمة وحاسمة فقد رفعت الأقلام وجفّت الصّحف...نعم أغلقت جميع الأبواب، ولم يتبق غير بابه جلّ جلاله لتطرقه تلك الصفوة صاغرة ذليلة وخاشعة ومنها الرجاء بوجهه الكريم من فكّ البلاء والوصول إلى الخلاص عند الإخلاص في الدعاء مع الاعتقاد الجازم أنّه وحده له الأمر كلّه ، فهو الشافي والمعافي والمغني والمعين وهو وحده أرحم الرّاحمين وبرحمته تتمّ النعم، تصديقاً لقوله تعالى:{ادعوني أستجب لكم}.
_تقييم النص:
القصة من نوع القصة القصيرة جدّاً ذات طابع ديني إيماني وهي بنفس الوقت رسالة توعوية ممنهجة لإدراك الحكمة الإلهية وأهمية الدعاء والاستغاثة بالله تعالى وحده خالصاً لوجهه الكريم.
تحيتي للقاصة الأستاذة المبدعة: دينا ناصر الدين، نعم لقد نبغت وأبدعت في إضفاء الروح الإيمانية على محتوى هذه القصة الرائعة، لتكون الفكرة هادفة لا عبثية، وصادقة لا مزاجية.
نقد وتحليل: أكثم جهاد/الأردن
No comments:
Post a Comment