عبد الرحمان العلجوم:le crapaud
أكيد حين أكتب عن ذكرياتي استمذ لذتها من تضاريس قريتي الرابضة بين صخور متراكبة في تشكلها ووعورة مسالكها، قرية تعيش على هامش الزمن،لا يمكن تصنيفها في حقبة من حلقاته ،تمردت على الزمن فتمرد عليها ،بيوت واطئة متناثرة بين شجيرات التين الشوكي يتوسطها جامع عتيق ذي غرف طينية يجاور حانوتا بئيسا يبيع الزيت والسكر وعلب التبغ .في معترك هذه الاحتفالية البدائية تتناسل الحياة بتناقضاتها المؤلمة اياما ولياليا ولادات ووفيات وقليل من الافراح،الحياة رتيبة حتى الاعياء ،ومن خلال هذا الاعياء تتناسل القصص والحكايا بسيطة بساطة احلام ساكنيها.
وكانوا كبارا تشغلهم اكدار الحياة المنسكنة في حقول الزيتون والتين الشوكي.،وكنا أطفالا صغارا نلهو باهتماماتنا ،يتوزعنا عشق المدرسة الرابضةأسفل الوادي ونزق ألعاب فصلية نبتكرها من جوهرالطبيعة ،نعدوا في الحقول نتصيد الفواكه البرية ، ونسرح بمخيلاتنا في عالم القرية ننفض عنا غبار الملل والرتابة ،نتصيد بعضا من رعن القرية ونوكها نؤلف حولهم الحكايا الهزلية ،ونخلق لهم عوالم عجائبية ،وكان عبد الرحمان يتقمص احداث شخصيات مسرحياتنا،نضحك حتى الاستلقاء على العشب ثم نمضي الى حيث تنحدر مياه الوادي نشرب حتى الارتواء ونعدوا نطاردآخر خيوط الشمس قبل الانحدار،
وسالت مياه كثيرة في الوادي منذ غادرت ذات صباح القرية في رحلة طويلة في متاهات الدراسة،وبقي عبد الرحمان في القرية ،رفض الاغتراب رغم نباهته وعشقه للقراءة،بقي هناك يصارع قدره في شعاب القرية وصخورها، اكتسب من تربتها جوهر المعاناة وتشرب من الحقول صلابة الكفين وسمرة التربة الغير المطواعة ،بقي هناك ليحكي حكايا الطفولة ،كنت كلما رجعت الى القرية إلا وكان اللقاء معه لقاءا ممتعا ،يقف صامتا ثم يشكل قسمات وجهه للتماهي مع شخصيات الحكي الغابرة ،نضحك ونسترجع اشراقات الايام السالفة.
اخذت زياراتي للقرية تتباعد وأخذت أفقد الروح الفكهة لعبد الرحمان الذي تزوج واستهلكته روح القرية ،لم أعد أقبض على ضحكاته إلا من خلال الذكرى المنفلتة من عقال النسيان والاخبار العابرة لخطوط التماس بين القرية والمدينة ،حينئذ ادركت أن عبد الرحمان العلجوم كما كان يحلو للاطفال تسميته لحسن تهجئته لفظة العلجوم بالفرنسية le crapaud حيث كانت لمخارج الحروف شعرية تدفع استاذ اللغةالفرنسيةالاطراء عليه ،أدركت أنه لم يعد طفلا وأن الحياة وسمتنا بميسمها.
No comments:
Post a Comment