يا لها من ليلة!
لا أدري كم مضى من الوقت على حكايتها، ولكنه كان وقتًا طويلًا ممتدًا كامتداد تفكيرها كلما خطرت على بالها تلك الحكاية، تحاول نسيانها، إلا أنه كلما طرق باب منزلهم شاب يطلب يدها، تذكرت ذلك اليوم المشؤوم وما دار بينها وبين زوجة عمها من حديث يغثّ بالها، فحديث زوجة عمها يحمل دائمًا السمّ في ثناياه، وطالما كانت تغار منها من أجل بناتها الشقراوات، وكلما تقدّم لهذه الفتاة عريس، قالت له زوجة عمها: بنتي فلانة أجمل منها، وكأنه أعمى عن بناتها وكأنه لا يراهنّ.
وما أكثر الشباب الذين تقدّموا لطلب يدها، الأمر الذي زاد من جنون زوجة عمها.
ولتزداد المشكلة صعوبة، قالت لها في أحد الأيام عندما كانت تجري بسرعة لتلبية طلباتها التي لا تنتهي عند حد، وقد سمعت طقطقةً في قدمها اليسرى قالت لها:
"كانت هناك فتاة مثلك قدمها تُطقطقُ أثناء سيرها، وفي ليلة زفافها توفّى عريسها".
يا لها من امرأة سوء لا تعرف غير الغيرة والحسد والطمع والكذب والقول الجارح والألفاظ السيئة.
حملت تلك الفتاة ذلك الحديث في نفسها ولم تنسه في يومٍ من الأيام، منذ كانت في التاسعة من عمرها ومنذ بدأ الشباب وأهلهم يتطلعون إلى أن تكون هي الزوجة المناسبة لأحد أبنائهم سواءً من الأقارب أو من الجيران أو المعارف.
عندما كبرت وأصبحت صبية في مقتبل الشباب كانت الأنظار تتجه إليها، إلى أنه في أغلب الأحيان كان يرفض الأهل طلب الخاطبين بحجة أن ابنتهم ستكمل تعليمها الثانوي ثم الجامعي، وأما هي فقد كانت تقول في نفسها: تُرى هل هذا هو الشاب الذي سيموت ليلة الزفاف ؟
عقدة صعبة حمّلتها لها زوجة عمها الخبيثة، ولم تنسها في يوم من الأيام وتلحّ عليها تلك العقدة خاصة عندما تسمع من أهلها أن فلانًا تقدّم لطلب يدها.
أكملت الثانوية وتناست ذلك الموضوع ودخلت الجامعة وقد ازداد طُلّاب يدها … تُرى هل لأنها جميلة أو لأنها نشيطة أو لأنها خفيفة الظل أو لأنها كلما جلست في مكان زادته سعادة وبهجة أو لأن ملامحها بريئة براءة الأطفال، أو لأن ابتسامتها عذبة وعيونها جميلة عسلية واسعة ؟
نعم جميع تلك الصفات المحببة للجميع فيها.
ولكن هي؛ ماذا كانت رؤيتها للخُطّاب وماذا كانت فكرتها التي تسيطر عليها؟
اعتادت أن تسمع من والدها أن فلانًا كلمه عنها ليطلبها لابنه ولكنه رفض، فتقول في نفسها: لماذا تطرح الموضوع يا والدي مادمت رفضتَ طلبه ؟
وتقول الأم نفس الكلام: جاءت اليوم جارتي أم أحمد وكلمتني في موضوع ابنها وأنّها قد وفّرت كومةً من الذهب والليرات الذهبية من أجل عرس ابنها لتغريني لأوافق ولكنني رفضت، وقلت لها أن ابنتي ستكمل تعليمها إن شاء الله.
كانت الفتاة تصفن في تلك الأحداث وتكلم نفسها: من الذي سيختاره لي أهلي من بين هؤلاء ليموت في ليلة الزفاف؟
وفي أثناء دراستها الجامعية خيّرها أهلها بين اثنين من أقاربهما وكانا يصمّمان على زواجها، يبدو لأنهما خشيا أن يميل قلبها إلى أحد ما، ولا يعلمان أن قلبها أقفلته زوجة عمها منذ كان عمرها تسع سنوات، وقد عقّدتها منذ ذلك الحين.
لم يكن أمامها غير اختيار أحد الإثنين، فاختارت الشاب الذي كانت تحب أمّه، وكلما اقترب موعد الزفاف ازدادت رعبًا، وتوقّعت أن ترى عريسها جثة هامدة في الصباح، وستكون شؤمًا عليه وعلى أسرته، ترى ماذا ستفعل حينها ؟ هل تهرب من المنزل أم ماذا ؟
ما مصيرها بعد ذلك ؟
ماذا سيتحدّث الناس عنها؟
لو تحدثت لأحد عن مشكلتها هل كان سيخفف عنها ؟
كل هذا الصراع كان يجري داخلها ولا أحد يعلم بحالها من قريب أو بعيد .
انتهى الحفل وودّعهما الأقارب وتركوهما لمصيرهما المحتوم، هذا كان تفكيرها.
العريس كان مسرورًا بأنه حاز على الجوهرة الثمينة التي كانت من نصيبه من بين عشرات العرسان، كانت تنظر إليه بحزن وهو يمتدحها ويطري على جمالها ويثني على أدبها وكمالها، ولكنه لا يدري ما سبب هذا الحزن العميق الذي يغلف قلبها فينعكس في عيونها العسلية.
وهي تقول في نفسها: ليتك لم تتقدم لخطبتي حتى لا يحصل لك ما سيحصل.
كانت تتمنى أن لا يأتي الصباح عكس الفتيات اللواتي ينتظرن هذا اليوم بفارغ الصبر، لترتدي كلٌّ منهنّ زينتها لتستقبل أهلها وأهل زوجها في صباح العرس. ولكن هي ماذا ستفعل في الصباح وكيف ستستقبل القادمين؟
نامت وهي تكتم في نفسها ألمًا شديدًا يعصر قلبها مضى عليه سنوات عديدة.
نامت وقد أثقلت رأسها الأفكار السوداء ولم تدرِ متى أشفق عليها النوم في تلك الليلة فنامت، ولم تتأكد من ذلك إلا عندما استيقظت على صوت عريسها وهو يقول لها : صباحية مباركة يا عروسة.
تجهزي أيتها الجميلة لاستقبال المهنئين.
الدكتورة : نجاح أمين العالم السرطاوي
عضو اتحاد الكُتّاب والأدباء الأردنيين